الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فالسبيل إلى نصح أولئك يكون ببيان الحكم الشرعي فيما يفعلونه وسوق الأدلة الصحيحة على تحريم تعليق التمائم، وأنها ـ إذا كانت من غير القرآن ـ فإنها من الشرك, وقد ذكرنا جملة من الأدلة على تحريم تعليق التمائم في عدة فتاوى بما يغني عن الإعادة هنا، فانظر الفتاوى التالية أرقامها: 162465، 208327، 162019.
وفقهاء المالكية ينصون على نزع التمائم ومنع تعليقها لدفع العين, ففي موطإ مالك ـ رحمه الله تعالى ـ جاء: بَابُ مَا جَاءَ فِي نَزْعِ الْمَعَالِيقِ وَالْجَرَسِ مِنْ الْعَيْنِ, وذكر فيه حديث أبي بَشِيرٍ الْأَنْصَارِيَّ رضي الله عنه: أَنَّهُ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ، قَالَ: فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَسُولًا قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ: حَسِبْتُ أَنَّهُ قَالَ وَالنَّاسُ فِي مَقِيلِهِمْ: لَا تَبْقَيَنَّ فِي رَقَبَةِ بَعِيرٍ قِلَادَةٌ مِنْ وَتَرٍ أَوْ قِلَادَةٌ إِلَّا قُطِعَتْ ـ قَالَ يَحْيَى سَمِعْت مَالِك يَقُولُ: أَرَى ذَلِكَ مِنْ الْعَيْنِ. اهـ.
قال الزرقاني في شرحه للموطأ عن قول مَالِك: أَرَى ذَلِكَ مِنَ الْعَيْنِ ـ قال: أَيْ أَنَّهُمْ كَانُوا يُقَلِّدُونَ الْإِبِلَ أَوْتَارًا لِئَلَّا تُصِيبَهَا الْعَيْنُ بِزَعْمِهِمْ، فَأُمِرُوا بِقَطْعِهَا إِعْلَامًا بِأَنَّ الْأَوْتَارَ لَا تَرُدُّ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ شَيْئًا, وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رَفَعَهُ: مَنْ عَلَّقَ تَمِيمَةً فَلَا أَتَمَّ اللَّهُ لَهُ ـ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالتَّمِيمَةُ: مَا عُلِّقَ مِنَ الْقَلَائِدِ خَشْيَةَ الْعَيْنِ وَنَحْوِ ذَلِكَ, قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: إِذَا اعْتَقَدَ الَّذِي قَلَّدَهَا أَنَّهَا تَرُدُّ الْعَيْنَ، فَقَدْ ظَنَّ أَنَّهَا تَرُدُّ الْقَدَرَ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ اعْتِقَادُهُ. اهـ.
وجاء في البيان والتحصيل لابن رشد: وأما التمائم بغير ذكر الله تعالى وبالكتاب العبراني وما لا يعرف ما هو: فلا يجيزه بحال لا لمريض ولا صحيح، لما جاء في الحديث من أن: من تعلق شيئا وكل إليه، ومن علق تميمة فلا أتم الله له، ومن علق ودعة فلا ودع الله له ـ ولما رواه في موطئه من أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بعث في بعض أسفاره رسولا والناس في مقيلهم: لا تبقين في رقبة بعير قلادة من وبر أو قلادة إلا قطعت. اهـ.
وقال ابن عبد البر المالكي في الاستذكار عند شرحه للحديث السابق: وَهُوَ عِنْدَ جَمَاعَةٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ -كَمَا قَالَ مَالِكٌ- لَا يَجُوزُ أَنْ يُعَلَّقَ عَلَى الصَّحِيحِ شَيْءٌ مَنْ بَنِي آدَمَ وَلَا مِنَ الْبَهَائِمِ بِشَيْءٍ مِنَ الْعَلَائِقِ خَوْفَ نُزُولِ الْعَيْنِ لِهَذَا الْحَدِيثِ وَمَا كَانَ مِثْلَهُ. اهـ.
والله أعلم.