الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كان المذكورون من الكفار، فإنه لا حرج في الحديث عن مساوئهم وأخطائهم. ولا يعد ذلك غيبة، فقد كان الصحابة -رضوان الله عليهم- يذكرون مساوئ الكفار، وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ: اهْجُهُمْ، أَوْ هَاجِهِمْ، وَجِبْرِيلُ مَعَكَ. متفق عليه.
وسبق أن بينا حكم غيبة الكفار أحياء وأمواتا في الفتاوى التالية أرقامها: 213805، 73859، 129825.
أما إذا كان المذكورون من غير الكفار، فإن أخطاءهم إنما ترد في القرآن والحديث على سبيل العظة وأخذ العبرة.. فمن تحدث عنها بهذا القصد فلا حرج عليه، ولا يعتبر ذلك غيبة؛ لأنها وردت في نصوص الوحي لأخذ الدروس، والعظات والعبر التي تنفع المؤمنين في حياتهم وما بعدها؛ كما قال الله تعالى: وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ {هود: 120}.
وإن كان الكلام عن أخطائهم بغير ذلك كالنقص منهم فإنه لا يجوز؛ ويعتبر من الغيبة المحرمة للأموات والأحياء.
قال الغزالي في الإحياء: الغيبة التعرض لشخص معين إما حي وإما ميت.
وفي عمدة القاري شرح صحيح البخاري للعيني: وَقَالَ ابْن بطال: ذكر شرار الْمَوْتَى من أهل الشّرك خَاصَّة جَائِز؛ لِأَنَّهُ لَا شكّ أَنهم فِي النَّار، وَسبّ الْأَمْوَات يجْرِي مجْرى الْغَيْبَة فَإِن كَانَ أغلب أَحْوَال الْمَرْء الْخَيْر وَقد تكون مِنْهُ الْغَلَبَة، فالاغتياب لَهُ مَمْنُوع، وَإِن كَانَ فَاسِقًا مُعْلنا فَلَا غيبَة لَهُ، فَكَذَلِك الْمَيِّت.
وفي تفسير البحر المديد للفاسي عند قول الله تعالى: تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ .. : هذا التفضيل إنما يكون في الجملة من غير تعيين المفضول؛ لأنه تنقيص في حقه وهو ممنوع. ولذلك قال عليه الصلاة والسلام: « ولا تفضلوني على يونس بن متى» ومعناه النهي عن تعيين المفضول؛ لأنه غيبة وتنقيص، وقد صرح صلّى الله عليه وسلم بفضله على جميع الأنبياء بقوله: «أنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ ولا فخر» .
والله أعلم.