الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذا الموقع ليس مختصا بتقييم الأشخاص والجماعات، وإنما هو لإسعاف عموم المسلمين بجواب أسئلتهم الملحة مما يحتاجونه في أمر دينهم! والمقالة والرواية اللذان ذكرهما السائل لم نطلع عليهما، وأما القدر الذي نقله السائل منهما فيظهر منه الفهم المغلوط لقصة أهل الكهف، وكذا الجهل بلغة القرآن في قصة الهجرة النبوية، ومن كان يجهل لغة القرآن فلا يحق له الحديث عن الفوائد والدلائل المستبطة من الآية على هذا النحو الوارد في المقالة, فأما عن أهل الكهف: فلم يكن انحيازهم إلى الكهف سلبيا، بل كان توفيقا من الله تعالى ورحمة منه وفضلا، بعد أن قاموا بواجب بيان الحق والدعوة إليه وسعوا في إصلاح مجتمعهم وتقويم أفظع ما فيه من انحرافات، وثباتهم على المبدأ وصبرهم على ذلك، قال الله تعالى: وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا {الكهف: 14}.
قال البيضاوي في أنوار التنزيل وأسرار التأويل: وَرَبَطْنا عَلى قُلُوبِهِمْ ـ وقويناهم بالصبر على هجر الوطن والأهل والمال والجراءة على إظهار الحق والرد على دقيانوس الجبار: إِذْ قامُوا ـ بين يديه: فَقالُوا رَبُّنا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَا مِنْ دُونِهِ إِلهاً لَقَدْ قُلْنا إِذاً شَطَطاً... اهـ.
وقال ابن الجوزي في زاد المسير في علم التفسير: إِذْ قامُوا ـ بين يدي ملكهم دقيانوس: فَقالُوا رَبُّنا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ـ وذلك أنه كان يدعو الناس إِلى عبادة الأصنام، فعصم الله هؤلاء حتى عصَواْ ملِكهم، وقال الحسن: قاموا في قومهم فدعَوْهم إِلى التوحيد... اهـ.
وقال الشنقيطي في أضواء البيان: وأكثر المفسرين على أن قوله: إذ قاموا ـ أي بين يدي ملك بلادهم... اهـ.
وأما اعتزالهم بعد ذلك: فقد كان لأن الخيار صار بين أمرين: إما القتل، وإما الردة عن الدين الحق، كما قال تعالى: إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا { الكهف: 19ـ 20}.
فأي سلبية تنسب لمن قام ببيان الحق بين يدي الجبابرة، ثم انحاز بدينه ليحفظ نفسه من التلف؟!
وأما عن قوله تعالى: إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا {التوبة: 40}.
وما جاء في المقالة من أن أبا بكر ـ رضي الله عنه ـ أولا والرسول صلى الله عليه وسلم ثانيا... إلخ، فلا ندري وجه هذا الفهم ولا هذا الاستنباط! وثاني اثنين في الآية معناه واحدا من اثنين، قال الشيخ محيي الدين درويش في إعراب القرآن وبيانه: يستعمل اسم الفاعل المشتق من العدد على معنيين:
ـ أحدهما: أن يكون المراد به واحدا من جماعة.
ـ وثانيهما: أن يكون فاعلا كسائر أسماء الفاعلين.
فالأول نحو: ثاني اثنين، وثالث ثلاثة، قال الله تعالى: لقد كفر الذين قالوا: إن الله ثالث ثلاثة ـ وقال عز وجل: إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين ـ فما كان من هذا الضرب فإضافة محضة، لأن معناه: أحد ثلاثة وبعض ثلاثة. اهـ.
وقال ابن عاشور في التحرير والتنوير: وثاني اثنين ـ حال من ضمير النصب في أخرجه، والثاني كل من به كان العدد اثنين، فالثاني اسم فاعل أضيف إلى الاثنين على معنى من، أي ثانيا من اثنين. اهـ.
وفي تفسير المنار: ثاني اثنين ـ أي: أحدهما، فإن مثل هذا التعبير لا يعتبر فيه الأولية ولا الأولوية، لأن كل واحد منها ثان للآخر، ومثله: ثالث ثلاثة، ورابع أربعة، لا معنى له إلا أنه واحد من ثلاثة، أو أربعة به تم هذا العدد، على أن الترتيب فيه إنما يكون بالزمان أو المكان، وهو لا يدل على تفضيل الأول على الثاني، ولا الثالث أو الرابع على من قبله. اهـ.
وقال القاسمي في محاسن التأويل: اتفق النحاة واللغويون على أن معنى قولهم: ثالث ثلاثة، ورابع أربعة.. ونحو ذلك: أحد هذه الأعداد مطلقا، لا الوصف بالثالث والرابع. اهـ.
وأما العلاقة بين الحاكم والمحكوم، ومفهوم الدولة الدينة والدولة المدنية: فراجع فيه الفتوى رقم: 154193.
وراجع في ما يخص جماعة الإخوان المسلمين الفتويين رقم: 194553، ورقم: 38868.
وأما طلب حذف موضعٍ ما، لما فيه من الخطأ، فهذا مما يُحمد عليه صاحبه، فإن ذلك من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والنصيحة للمسلمين.
والله أعلم.