الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ورد في بعض الروايات التي لا نستطيع الحكم بثبوتها، أن أولياء دم الإمام علي- رضي الله عنه- قد مثلوا بجثة ابن ملجم بعد قتله.
ووقع الاختلاف فيمن فعل ذلك هل هو الحسين ومحمد بن الحنفية أم عبد الله بن جعفر أم الحسن؟.
ففي مصنف عبد الرزاق أن: عليا دعا حسينا ومحمدا فقال: بحقي لما حبستما الرجل، فإن مت منها فقدماه فاقتلاه، ولا تمثلا به. قال: فقطعاه وحرقاه. قال: ونهاهما الحسن رضي الله عنه. وأخرج نحو هذا ابن عمرو الشيباني في الآحاد والمثاني.
وفي تاريخ أبي الفداء: ولما مات علي أخُرج عبد الرحمن بن ملجم من الحبس، فقطع عبد الله بن جعفر يده ثم رجله، وكحلت عيناه بمسمار محمى، وقطع لسانه، وأحرق لعنه الله.
وفي شرح نهج البلاغة: وقطع الحسن بن علي يديه ورجليه وهو في ذلك يذكر الله، ثم عمد إلى لسانه فقطعه فجزع، فقيل له في ذلك قال: أحببت ألا يزال لساني رطبا من ذكر الله.
وعموما فإنا لم نجد ما يجعلنا نحكم بصحة شيء من ذلك.
وقد نفى الدكتور علي محمد الصلابي صحة ذلك في كتابه عن سيرة الإمام الحسن بن علي -رضي الله عنهما- فقال: وتذكر الرواية التاريخية المشهورة: فلما قبض علي -رضي الله عنه- بعث الحسن إلى ابن ملجم، فقال للحسن: هل لك في خصلة؟ إني والله ما أعطيت الله عهداً إلا وفيت به، إني كنت قد أعطيت الله عهداً عند الحطيم أن أقتل علياً ومعاوية، أو أموت دونهما، فإن شئت خليت بيني وبينه، ولك الله علي إن لم أقتله ـ أو قتلته ثم بقيت، أن آتيك حتى أضع يدي في يدك. فقال له الحسن: أما والله حتى تعاين النار، ثم قدمه فقتله، ثم إن الناس أخذوه، فأحرقوه بالنار. ولكن هذه الرواية منقطعة، والصحيح من الروايات والذي يليق بالحسن، والحسين وأبناء أهل البيت أنهم التزموا بوصية أمير المؤمنين علي في معاملة عبد الرحمن بن مُلْجم، وفيها يظهر خلق الإسلام العظيم في النهي في المثلة والالتزام بالقصاص الشرعي. ولا تثبت الرواية التي تقول: فلما دفن أحضروا ابن ملجم، فاجتمع الناس، وجاءوا بالنفط والبواري، فقال محمد بن الحنفية، والحسين، وعبد الله بن جعفر بن أبي طالب، دعُونا نشتفّ منه، فقطع عبد الله يديه ورجليه، فلم يجزع ولم يتكلّم، فكحَلَ عينيه، فلم يجزع، وجعل يقول: إنك لتكحُل عيني عمّك وجعل يقرأ: ((اقرأ بسم ربك الذي خلق)) حتى ختمها، وإن عينيه لتسيلان، ثم أمر به فعولج عن لسانه ليُقْطع فجزع، فقيل له في ذلك. فقال: ما ذاك بجزع، ولكنّي أكره أن أبقى في الدنيا فُواقاً لا أذكر الله، فقطعوا لسانه، ثمّ أحرقوه..."اهـ.
والله أعلم.