الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد يكون من المناسب أن يفتتح الكلام مع الأخت المخالفة في هذه المسألة بالاتفاق على مضمون نصيحتها: بإعادة النظر في قناعتك، وزيادة الاطلاع والقراءة!! فهذا مما يحتاج إليه كل طرف في الخلاف، وبعد ذلك يمكن أن يقدَّم مرجع متخصص في هذا الموضوع لبيان مواضع الاتفاق والاختلاف، وتحرير محل النزاع، والنظر في الرأي الصائب والقول الراجح، ونحن نختار لك من هذه المراجع كتاب: تحريم آلات الطرب للشيخ الألباني، أو كتاب الغناء والمعازف في ضوء الكتاب والسنة وآثار الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ للدكتور سعيد بن علي القحطاني، وقد سبق لنا في الفتوى رقم: 139730 ذكر مرجع موسوعي مهم في مناقشة المخالفين في حرمة المعازف.
فيمكن الاتفاق على قراءة أحد هذه الكتب، ثم مناقشة الموضوع في ضوئها، ونسأل الله تعالى أن يهدينا لما اختلف فيه من الحق بإذنه، إنه يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم، وهنا نكتفي بالإشارة إلى بعض العبارات الواردة في السؤال على سبيل الإجمال، فقول هذه الأخت: خصوصا أن كثيرا من الصحابة والتابعين خالفوه ـ تعني ابن عباس رضي الله عنهما ـ فهذا لا يصح، فإن أكثر تفسير الصحابة لألفاظ القرآن يكون بالمثال، والخلاف في هذا من خلاف التنوع لا اختلاف التضاد، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 217462.
قال ابن الجوزي في زاد المسير: في المراد بلهو الحديث أربعة أقوال:
أحدها: أنه الغناء، كان ابن مسعود يقول: هو الغناء والذي لا إِله إِلا هو، يُردِّدها ثلاث مرات، وبهذا قال ابن عباس ومجاهد، وسعيد بن جبير، وعكرمة، وقتادة، وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد، قال: اللهو: الطبل.
والثاني: أنه ما ألهى عن الله تعالى، قاله الحسن، وعنه مثل القول الأول.
والثالث: أنه الشِّرك، قاله الضحاك.
والرابع: الباطل، قاله عطاء. اهـ.
ولفظ الآية يتناول هذا كله بلا تضاد ـ كما هو واضح ـ وأما قولها: والرسول صلى الله عليه وسلم، والصحابة ـ رضي الله عنهم ـ والتابعون رحمهم الله، استمعوا إلى الموسيقى، والحضارة الإسلامية ملآى بالموسيقى ـ فهذا مما يطول منه العجب فنقول بادئ ذي بدء: هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين! ولن يأتوا في ذلك إلا بما هو واهي الإسناد، أو بما لا يصلح حجة كالآثار المقطوعة عن بعض التابعين، ثم إن كان هذا هو الواقع، فلم حكم أهل العلم بحرمة المعازف إذن؟! وأما قولها: الفطرة السليمة هي التي تحب استماع الفن والموسيقى ـ فهذا تحكُّم ليس له أصل من نقل ولا من عقل، فلا يعضده دليل من الشرع، ولا حجة من العقل، ولا سند من الواقع، ومثل ذلك لا يتأهل لمجرد مناقشته، وإلا فمن الممكن أن يقال: الصحيح هو عكس هذا الكلام طالما أنه يلقى على عواهنه دون البرهان، وأخيرا فإن وصف العلماء المانعين من المعازف بالمتشددين الذين غالوا في كثير من الأمور وضيقوا الواسع على الأمة!! من الجرأة المذمومة على أعراض الفضلاء، ومثل هذه المجازفة يرددها من لا يقيم كلامه على ميزان الشرع الحكيم، وإلا فمن اليسير أن يرمى المبيح للمعازف بالتهتك والتهاون والتساهل ونحو ذلك، مما لا يقرر حقا، ولا يدحض باطلا، فالحكم بالحل أو الحرمة لا يقوم على أذواق الناس وأهوائهم، وإنما يبنى على أدلة الشرع الحنيف، فما وافقها كان هو الحق، بغض النظر عن الذوق والهوى.
والله أعلم.