الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمن عاهد الله على ترك محرم فعليه بالوفاء به من باب البعد عن المعاصي والوفاء بالعهد، فقد حث الله عز وجل على الوفاء بالعهد في آيات كثيرة من محكم كتابه، فقال الله تعالى: وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولًا {الإسراء:34}.
ومن عاهد الله على ترك معصية ففعلها، فالواجب عليه التوبة من وجهين: أحدهما فعل المعصية والثاني نقضه ما عاهد عليه الله، وعليه كفارة يمين عند جمع من أهل العلم، ما دام أضاف العهد إلى الله تعالى، كما لو قال: علي عهد الله ألا أفعل كذا، لقول الله تعالى: وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ اللّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلاَ تَنقُضُواْ الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ {النحل:91}.
وانظر الفتوى رقم: 7375.
وأما قولك: يا رب لا تؤاخذني بأي عهد عاهدتك عليه ـ فلا يمكنك أن تسقط عن نفسك العهد بهذا إذا كنت قد تلفظت به، ولكن لا يلزمك إذا خالفت العهد إلا كفارة يمين واحدة، ثم ينحل العهد أو اليمين، إلا إذا كانت الصيغة تدل على التكرار. وينبغي هنا أن ننبه إلى أن شأن العهد عند الله عظيم، قال ابن قدامة في المغني: قَالَ أَحْمَدُ: الْعَهْدُ شَدِيدٌ فِي عَشَرَةِ مَوَاضِعَ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ: وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولا {الإسراء: 34} وَيَتَقَرَّبُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى إذَا حَلَفَ بِالْعَهْدِ وَحَنِثَ، مَا اسْتَطَاعَ، وَعَائِشَةُ أَعْتَقَتْ أَرْبَعِينَ رَقَبَةً، ثُمَّ تَبْكِي حَتَّى تَبُلَّ خِمَارَهَا، وَتَقُولُ: وَاعْهَدَاهُ ـ أي: عندما عاهدت الله ألا تكلم ابن الزبير ثم رجعت وكفرت. اهـ
وانظر في كفارة اليمين الفتوى رقم: 26595.
وأما إذا كان ما حصل منك هو عزم على ترك المعصية، دون أن تتلفظ بالعهد أو اليمين، فلا تلزمك كفارة، وعليك أن تجاهد نفسك على البعد عن المعصية امتثالا لأمر الله واتقاء لغضبه وسخطه.
والله أعلم.