الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما ذكرته السائلة من ضائقة مرت بهذين الشخصين، لا يحل لهما التصرف في مال المضاربة على هذا النحو، وما فعلاه يعد من الخيانة للأمانة، وأكل المال بالباطل، ودعواهما لصاحبة المال أن المبلغ الشهري من الربح، من الغش الذي يوشك افتضاحه، والصراحة خير من المخادعة، فعليهما التوبة إلى الله تعالى، ورد المال كله إلى صاحبته، ويحسب منه ما دفعاه إليها تحت مسمى الأرباح الشهرية, وتأخير السداد مع الإمكان حرام؛ لأن مطل الغني ظلم. وعليهما استحلالها من التصرف في مالها بغير إذنها. وأما توهمهما أن رد المال والحال هذه من الربا، فلا وجه له؛ لانفساِخ المضاربة بهذا الاعتداء الذي ذهب بمال المضاربة، وترتب عليه ضمانهما له.
قال البهوتي في كشاف القناع: ((وَهِيَ) أَيْ الْمُضَارَبَةُ (أَمَانَةٌ وَوَكَالَةٌ)؛ لِأَنَّهُ مُتَصَرِّفٌ لِغَيْرِهِ بِإِذْنِهِ، وَالْمَالُ تَحْتَ يَدِهِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَخْتَصُّ بِنَفْعِهِ ... (وَإِنْ تَعَدَّى) الْعَامِلُ مَا أَمَرَ بِهِ رَبُّ الْمَالِ (فَغَصْبٌ) يَرُدُّ الْمَالَ وَرِبْحَهُ، وَلَا شَيْءَ لَهُ فِي نَظِيرِ عَمَلِهِ كَالْغَاصِبِ.).
ولما لم يكن ربح للمال حيث إنهما تصرفا فيه في مصلحتهما قبل تشغيله بحسب ما يبدو من السؤال، فالذي يلزمهما هو رأس المال فليبادرا إلى رده امتثال لقول الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا {النساء:58}.
والله أعلم.