الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن طلب النبي صلى الله عليه وسلم من عمر، أو من الأمة، الدعاء له، أو الصلاة عليه، هو طلب أمر، وترغيب لهم في الخير، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى، وقاعدة التوسل والوسيلة: فالنبي صلى الله عليه وسلم فيما يطلبه من أمته من الدعاء، طلبه طلب أمر وترغيب، ليس بطلب سؤال, فمن ذلك أمره لنا بالصلاة والسلام عليه، فهذا أمر الله به في القرآن ,بقوله: {صلوا عليه وسلموا تسليما}, ومن ذلك أمره بطلب الوسيلة، والفضيلة، والمقام المحمود؛ فقد رغب المسلمين في أن يسألوا الله له الوسيلة، وبين أن من سألها له، حلت له شفاعته يوم القيامة؛ كما أنه من صلى عليه مرة، صلى الله عليه عشرًا؛ فإن الجزاء من جنس العمل, ومن هذا الباب الحديث الذي رواه أحمد، وأبو داود، والترمذي، وصححه، وابن ماجه: أن عمر بن الخطاب استأذن النبي صلى الله عليه وسلم في العمرة، فأذن له، ثم قال: لا تنسنا - يا أخي - من دعائك, فطلب النبي صلى الله عليه وسلم من عمر أن يدعو له، كطلبه أن يصلي عليه، ويسلم عليه، وأن يسأل الله له الوسيلة، والدرجة الرفيعة، وهو كطلبه أن يعمل سائر الصالحات، فمقصوده نفع المطلوب منه، والإحسان إليه، وهو صلى الله عليه وسلم أيضًا ينتفع بتعليمهم الخير، وأمرهم به، وينتفع أيضًا بالخير الذي يفعلونه من الأعمال الصالحة، ومن دعائهم له.
وأما دعاؤك لأخيك المسلم بحفظ القرآن، أو غير ذلك من أمور الخير: فإنك تحصل به على ثواب الدعاء، وتأمين الملك على دعائك، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم, ولا قطيعة رحم, إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث: إما أن تعجل له دعوته، وإما أن يدخرها له في الآخرة، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها, قالوا: إذن نكثر، قال: الله أكثر. رواه أحمد, وصححه الألباني.
قال ابن عبد البر في التمهيد: فيه دليل على أنه لا بد من الإجابة على إحدى هذه الأوجه الثلاثة. انتهى.
وقال ابن حجر في الفتح: كل داع يستجاب له لكن تتنوع الإجابة: فتارة تقع بعين ما دعا به، وتارة بعوضه.
وقال صلى الله عليه وسلم: دعوة المرء المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجابة، عند رأسه ملك موكل كلما دعا لأخيه, قال الملك الموكل به: آمين، ولك بمثل. رواه مسلم.
ولا يعني إجابة دعوتك لأحد بأن يحفظ القرآن، وتأمين الملك عليها أنك تحصل على أجر حفظ ذلك الشخص للقرآن، ولكن قد يكون من إجابة الدعاء أن يستجاب لك بحفظه للقرآن, وحفظك أنت له, وعلى كل حال: فأنت مأجور على دعائك بالخير لأخيك المسلم.
ولا حرج عليك عند طلب الدعاء من الغير أن تنوي لهم ولك الخير والنفع، واستجابة الدعاء بتأمين الملك على دعائهم، فكل ذلك واسع إن شاء الله تعالى؛ فالدعاء للغير ينفع الداعي, والمدعو له, كما رأيت في كلام شيخ الإسلام.
والله أعلم.