الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فنريد أولا أن ننبهك إلى أن العلماء مختلفون في حكم الخشوع في الصلاة هل هو مستحب أو فرض أو شرط.
جاء في الموسوعة الفقهية: إِذَا تَرَكَ الْمُصَلِّي الْخُشُوعَ فِي صَلاَتِهِ، فَإِنَّ صَلاَتَهُ تَكُونُ صَحِيحَةً عِنْدَ الْجُمْهُورِ ... وَذَهَبَ بَعْضُ فُقَهَاءِ كُلٍّ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ، وَالْمَالِكِيَّةِ، وَالشَّافِعِيَّةِ، وَالْحَنَابِلَةِ إِلَى أَنَّ الْخُشُوعَ لاَزِمٌ مِنْ لَوَازِمِ الصَّلاَةِ، إِلاَّ أَنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِيهِ: فَقَال بَعْضُهُمْ: إِنَّهُ فَرْضٌ مِنْ فَرَائِضِ الصَّلاَةِ وَلَكِنْ لاَ تَبْطُل الصَّلاَةُ بِتَرْكِهِ؛ لأِنَّهُ مَعْفُوٌّ عَنْهُ. وَقَال آخَرُونَ: إِنَّهُ فَرْضٌ تَبْطُل الصَّلاَةُ بِتَرْكِهِ كَسَائِرِ الْفُرُوضِ. وَقَال بَعْضٌ آخَرُ مِنْهُمْ: إِنَّ الْخُشُوعَ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الصَّلاَةِ لَكِنَّهُ فِي جُزْءٍ مِنْهَا، فَيُشْتَرَطُ فِي هَذَا الْقَوْل حُصُول الْخُشُوعِ فِي جُزْءٍ مِنَ الصَّلاَةِ وَإِنِ انْتَفَى فِي الْبَاقِي، وَبَعْضُ أَصْحَابِ هَذَا الْقَوْل حَدَّدَ الْجُزْءَ الَّذِي يَجِبُ أَنْ يَقَعَ فِيهِ الْخُشُوعُ مِنَ الصَّلاَةِ، فَقَال: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عِنْدَ تَكْبِيرَةِ الإْحْرَامِ. اهــ.
وفي خصوص ما سألت عنه، فنقول فيه ابتداء إن معنى الحساب العَدُّ.
قال القرطبي في تفسير قوله تعالى: وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ {البقرة:202}. قال : الْحِسَابُ" مَصْدَرٌ كَالْمُحَاسَبَةِ، .. وَالْحِسَابُ الْعَدُّ. اهــ.
فمعنى قوله في الحديث " أول ما يحاسب ... " أي أول ما يُعد عليه من أعماله، ويُنظر فيه، ويثابُ عليه أو يعاقب هي الصلاة. فإذا تبين لك هذا، علمت أن الخشوع يدخل في الحساب، حتى على قول الجمهور بأن الخشوع مستحب وليس بشرط ولا واجب؛ لأن المستحبات تُعد ويثاب عليها العبد. وعلى القول بأن الخشوع في الصلاة واجب، فإن دخوله في الحساب أحرى وربما عُوقب العبد على تركه. والنقص الذي يحصل في الفريضة بترك المستحب أو الواجب يُكمل من صلاة النافلة, فقد جاء في رواية الترمذي للحديث الذي ذكرته: فَإِنْ انْتَقَصَ مِنْ فَرِيضَتِهِ شَيْءٌ، قَالَ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ: انْظُرُوا هَلْ لِعَبْدِي مِنْ تَطَوُّعٍ فَيُكَمَّلَ بِهَا مَا انْتَقَصَ مِنْ الْفَرِيضَةِ ... " . اهــ.
وجاء في تحفة الأحوذي عند شرحه لقوله: " مَا اِنْتَقَصَ مِنْ الْفَرِيضَةِ " قال: يُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ مَا اِنْتَقَصَهُ مِنْ السُّنَنِ وَالْهَيْئَاتِ الْمَشْرُوعَةِ فِيهَا مِنْ الْخُشُوعِ، وَالْأَذْكَارِ وَالْأَدْعِيَةِ وَأَنَّهُ يَحْصُلُ لَهُ ثَوَابُ ذَلِكَ فِي الْفَرِيضَةِ وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْهُ فِيهَا وَإِنَّمَا فَعَلَهُ فِي التَّطَوُّعِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ مَا اِنْتَقَصَ أَيْضًا مِنْ فُرُوضِهَا وَشُرُوطِهَا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ مَا تَرَكَ مِنْ الْفَرَائِضِ رَأْسًا فَلَمْ يُصَلِّهِ فَيُعَوِّضُ عَنْهُ مِنْ التَّطَوُّعِ .... وَقَالَ اِبْنُ الْعَرَبِيِّ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ يُكَمِّلُ لَهُ مَا نَقَصَ مِنْ فَرْضِ الصَّلَاةِ وَإِعْدَادِهَا بِفَضْلِ التَّطَوُّعِ، وَيُحْتَمَلُ مَا نَقَصَهُ مِنْ الْخُشُوعِ وَالْأَوَّلُ عِنْدِي أَظْهَرُ ... اهــ.
والله تعالى أعلم.