الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما ذكر في السؤال هو المعتمد والراجح عند الحنفية في الجملة، فقد نصوا على ذلك في نواقض الوضوء، حيث إن من نواقضه عندهم خروج النجاسة من غير السبيلين، قال الكاساني في بدائع الصنائع: وأما أنواع الأنجاس فمنها ما ذكره الكرخي في مختصره: أن كل ما يخرج من بدن الإنسان مما يجب بخروجه الوضوء أو الغسل فهو نجس.
وقد علل بعضهم نقض الوضوء بخروج دمع العين ونحوه إذا كان لعلة بخشية كونه قيحا أو صديدا، ولذا فقد حمله بعضهم على كونه متغيرا بقيح أو صديد، وإلا فلا، بينما استظهر البعض جعل ذلك على روايتين في المذهب الحنفي، جاء في البحر الرائق: ثم الجرح والنفطة وماء السرة والثدي والأذن والعين إذا كان لعلة سواء، على الأصح، وعن الحسن أن ماء النفطة لا ينقض، قال الحلواني: وفيه توسعة لمن به جرب أو جدري، كذا في المعراج، وفي التبيين:... ولو كان في عينيه رمد أو عمش يسيل منهما الدموع قالوا يؤمر بالوضوء لوقت كل صلاة، لاحتمال أن يكون صديدا أو قيحا ـ وهذا التعليل يقتضي أنه أمر استحباب, فإن الشك والاحتمال في كونه ناقضا لا يوجب الحكم بالنقض، إذ اليقين لا يزول بالشك، نعم إذا علم من طريق غلبة الظن بإخبار الأطباء أو بعلامات تغلب على ظن المبتلى يجب.
وفي رد المحتار: ثم قال في الحلية: وعلى هذا ينبغي أن يحمل على ما إذا كان الخارج من العين متغيرا ـ أقول: الظاهر أن ما استشهد به رواية أخرى لا يمكن حمل ما مر عليها، بدليل قول محمد: لأني أخاف أن يكون صديدا, لأنه إذا كان متغيرا يكون صديدا أو قيحا، فلا يناسبه التعليل بالخوف.
وعلى القول بنجاسة الخارج من غير السبيلين لعلة، فإنه يعفى عن يسيره، على اختلاف بين الفقهاء في مقدار اليسير الذي يعفى عنه، وراجعي الفتويين رقم: 75699، ورقم: 174441.
ثم إن هذا التفصيل لم نجده إلا عند الحنفية، وأما عند غيرهم فيطلقون القول بطهارة الدمع والعرق ونحوهما دون تفصيل بين ما إذا كان ذلك لعلة أم لا، واعلمي أن الأصل في الأشياء الطهارة، فلا يحكم بنجاسة شيء إلا بدليل، وانظري الفتوى رقم: 34174.
وقد سبق بيان طهارة المخاط في الفتوى رقم: 96424، وما أحيل عليه فيها.
ومن النجاسات السائلة التي تخرج من الإنسان الدم والبول والمذي والودي والقيء، وأما المني: فالراجح طهارته، وراجعي الفتاوى التالية أرقامها: 34363، 63403، 33258، 44960.
والله أعلم.