الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد بينا في الفتوى رقم: 209269 مفهوم العجب والكبر.
وبينا معنى الكبر وحكمه في الفتوى رقم: 24081.
كما بينا الفرق بينه وبين عزة النفس في الفتوى رقم: 61161.
ونزيد ذلك إيضاحًا؛ جاء في موسوعة الأخلاق الإسلامية: معنى الكبر لغة: مادة (كبر) تدل على خِلاف الصِّغَر.
قال الفيومي: (الكبر بالكسر، اسم من التكبر، وقال ابن القوطية: الكبر اسم من كبر الأمر والذنب كبرا، إذا عظم، والكبر العظمة، والكبرياء مثله، وكابرته مكابرة غالبته مغالبة، وعاندته).
معنى الكبر اصطلاحًا: معنى الكبر جاء تعريفه في الحديث، فقال صلى الله عليه وسلم: الكبر بطر الحق، وغمط الناس. رواه مسلم.
وقال صاحب تاج العروس: الكِبْرُ: حالةٌ يتخصّص بها الإنسان من إعجابه بنفسه، وأن يرى نفسَه أَكْبَر من غيره.
وقيل الكبر هو: (استعظام الإنسان نفسه، واستحسان ما فيه من الفضائل، والاستهانة بالناس، واستصغارهم، والترفع على من يجب التواضع له).
وجاء فيها تعداد مظاهره: هناك مظاهر وسمات تظهر على المتكبر، في صفاته، وحركاته، وسكناته، تدل على ما وصل إليه من الكِبْر، والعجب بالنفس، والازدراء للآخرين، ومن ذلك:
- أن يحب قيام الناس له، أو بين يديه.
- أن لا يمشي إلا ومعه غيره يمشي خلفه.
- أن لا يزور غيره، وإن كان يحصل من زيارته خير لغيره في الدين.
- أن يستنكف من جلوس غيره بالقرب منه، إلا أن يجلس بين يديه.
- أن يتوقى من مجالسة المرضى، والمعلولين، ويتحاشى عنهم.
- أن لا يأخذ متاعه، ويحمله إلى بيته، وهو خلاف عادة المتواضعين.
وقد فرق ابن القيم في كتاب الروح بين الكبر، وغيره: فصل: والفرق بين الصيانة والتكبر أن الصائن لنفسه بمنزلة رجل قد لبس ثوبًا جديدًا، نقي البياض، ذا ثمن، فهو يدخل به على الملوك فمن دونهم، فهو يصونه عن الوسخ، والغبار، والطبوع، وأنواع الآثار؛ إبقاء على بياضه، ونقائه، فتراه صاحب تعزز، وهروب من المواضع التي يخشى منها عليه التلوث، فلا يسمح بأثر، ولا طبع، ولا لوث يعلو ثوبه، وإن أصابه شيء من ذلك على غرة بادر إلى قلعه، وإزالته، ومحو أثره، وهكذا الصائن لقلبه، ودينه، تراه يجتنب طبوع الذنوب وآثارها، فإن لها في القلب طبوعًا وآثارًا أعظم من الطبوع الفاحشة في الثوب النقي البياض، ولكن على العيون غشاوة أن تدرك تلك الطبوع، فتراه يهرب من مظان التلوث، ويحترس من الخلق، ويتباعد من تخالطهم؛ مخافة أن يحصل لقلبه ما يحصل للثوب الذي يخالط الدباغين، والذباحين، والطباخين، ونحوهم، بخلاف صاحب العلو، فإنه - وإن شابه هذا في تحرزه وتجنبه - فهو يقصد أن يعلو رقابهم، ويجعلهم تحت قدمه، فهذا لون، وذاك لون.
وقد ذكرنا في الفتوى رقم: 179151، بعض ما يميز الكبر عن غيره.
وأما العجب: فيقول أبو حامد الغزالي: العُجب هو استعظام النعمة، والركون إليها، مع نسيان إضافتها للمنعم.
يقول الهلالي في رسالة حطم صنمك متحدثًا عن مظاهر الإعجاب بالنفس وتضخم الذات:
كثرة الحديث عن النفس.
طلب الأعمال والتقدم إليها.
صعوبة التلقي من الغير، أو قبول النصيحة.
استصغار الآخرين.
المن بالعطايا.
كثرة أحلام اليقظة بالاشتهار بين الناس.
التعالي على الناس.
وقد بينا كيفية علاجه في الفتوى رقم: 151803.
وقد فرق القرافي بين الكبر والعجب فقال: (الفرق الستون والمائتان بين قاعدة الكبر وقاعدة العجب) قد تقدمت حقيقة الكبر، وأنه في القلب، ويعضد ذلك قوله تعالى: {إن في صدورهم إلا كبر ما هم ببالغيه} فجعل محله القلب والصدور.
وأما العجب فهو رؤية العبادة، واستعظامها من العبد، فهو معصية تكون بعد العبادة، ومتعلقة بها هذا التعلق الخاص، كما يتعجب العابد بعبادته، والعالم بعلمه، وكل مطيع بطاعته، هذا حرام غير مفسد للطاعة؛ لأنه يقع بعدها، بخلاف الرياء، فإنه يقع معها فيفسدها، وسر تحريم العجب أنه سوء أدب على الله تعالى، فإن العبد لا ينبغي له أن يستعظم ما يتقرب به إلى سيده، بل يستصغره بالنسبة إلى عظمة سيده، لا سيما عظمة الله تعالى؛ ولذلك قال الله تعالى: {وما قدروا الله حق قدره} أي: ما عظموه حق تعظيمه، فمن أعجب بنفسه وعبادته فقد هلك مع ربه، وهو مطلع عليه، وعرض نفسه لمقت الله تعالى، وسخطه، ونبه على ضد ذلك قوله تعالى: {والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون} معناه: يفعلون من الطاعات ما يفعلون وهم خائفون من لقاء الله تعالى بتلك الطاعة احتقارًا لها، وهذا يدل على طلب هذه الصفة، والنهي عن ضدها، فالكبر راجع للخلق والعباد، والعجب راجع للعبادة. انتهى.
ويمكنك مراجعة الفرق الحادي والستين والمائتين بين قاعدة الكبر وقاعدة التجمل بالملابس والمراكب، وغير ذلك من الفروق للقرافي، وحاشية ابن حسين المالكي.
وقد فرق ابن القيم في الروح بين التيه - العجب - وبين غيره؛ فقال: وَأما شرف النَّفس، فَهُوَ: صيانتها عَن الدنايا، والرذائل، والمطامع، الَّتِي تقطع أَعْنَاق الرِّجَال، فيربأ بِنَفسِهِ عَن أَن يلقيها فِي ذَلِك، بِخِلَاف التيه، فَإِنَّهُ خلق متولد بَين أَمريْن: إعجابه بِنَفسِهِ، وازدرائه بِغَيْرِهِ، فيتولد من بَين هذَيْن التيه، وَالْأول يتَوَلَّد من بَين خلقين كريمين إعزاز النَّفس، وإكرامها، وتعظيم مَالِكهَا، وسيدها، أَن يكون عَبده دنيا، وضيعا، خسيسا، فيتولد من بَين هذَيْن الخلقين شرف النَّفس، وصيانتها، وأصل هَذَا كُله استعدادها، وتهيؤها، وإمداد وَليهَا ومولاها لَهَا، فَإِذا فقد الاستعداد والإمداد فقد الْخَيْر كُله؟
وقد عدد الشيخ محمد صالح المنجد بعض مظاهر حب الظهور:
لبس ملابس الشهرة ومراكبها.
مصاحبة قليلي الخبرة.
انتقاص الآخرين بقصد رفع نفسه.
أن ينسب إليه أعمالًا ليست له.
افتعال المواقف لإبراز النفس.
المراءاة والتسميع بالأعمال.
فيمكن أن تتابع نفسك في هذه المظاهر، هل هي كذلك أم لا؟ فإن كانت، فعليك بالعلاج المذكور في الفتاوى المشار إليها.
وقد بينا معنى الآية الكريمة في الفتوى رقم: 62883، والفتوى رقم: 179695، فراجعها.
والله أعلم.