الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما تبادر إلى ذهنك قد ذكره بعض أهل العلم، وذهب إلى أن الواو في هذا الموضع بمعنى أو، ولكن ابن علان في كتابه الفتوحات الربانية على الأذكار النواوية قد رد هذا الكلام بتفصيل جيد بيّن فيه بقاء الواو على معناه الأصلي، حيث قال رحمه الله في كتابه: قال بعض المحققين: ينبغي التفطن لدقيقة هي أن الواو في المتعاطفات التي بعد خير على بابها، وفي التي بعد شرّ بمعنى أو؛ لأن المطلوب يسره لا بد أن يكون كل من أحواله المذكورة من الدين وما بعد خيراً، والمطلوب صرفه يكفي فيه أن يكون بعض أحواله المذكورة شرّاً، وفي إبقاء الواو على حالها فيه إبهام؛ لأنه لا يطلب صرفه إلا إن كانت جميع أحواله لا بعضها شرّاً، وليس مراداً كما هو واضح. اهـ.
وتعقبه بعض المتأخرين بقوله: لا شك أن العاقل يطلب حصول ما فيه الخيرية من جميع الوجوه المذكورة، وصرف ما فيه الشرارة من جميعها أيضا، فطلب حصول الأول وصرف الثاني صريح عبارة الحديث، وبقي ما فيه الخيرية من وجه، والشرارة من وجه، فالظاهر أن الحكم للغالب منهما، فإن استهلك الشر بالنسبة لما فيه من الخير والنفع فواضح أن الفعل يطلب حصوله، وكذلك إن استهلك الخير بالنسبة لما فيه من الشر فالظاهر أنه يطلب صرفه، وكذلك إذا تعارض الخير والشر فالاعتناء بجانب الدفع أكثر فهو مطلوب الصرف، ولعله أشار إلى هذه الصورة إجمالا بقوله: واقدر لي الخير حيث كان، ويؤيد هذا الاحتمال قوله: ثم أرضني به، وذلك أنه لما كان في المطلوب شرارة من وجه كان مظنة ألا تطمئن إليه النفس وترضى به، فظهر أن قوله: (والمطلوب صرفه يكفي فيه أن يكون بعضه شرا) في حيز المنع، على ما ذكرنا، فالواو على معناها في الموضعين وليست بمعنى أو. انتهى.
والله أعلم.