الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمعلوم أن جمهور العلماء قد أجازوا تغسيل الزوج لزوجته المتوفاة، وراجع في ذلك الفتويين: 18115، 21890. ومن أهل العلم من نص على الربط بين حكم النظر وحكم التغسيل، بما يعني أن إباحة التغسيل تستلزم إباحة النظر.
قال النووي في (الروضة): للمرأة غسل زوجها، فإن طلقها رجعيا ومات أحدهما في العدة، لم يكن للآخر غسله؛ لتحريم النظر في الحياة. وإلى متى تغسل زوجها؟ فيه أوجه، أصحها: أبدا. والثاني: ما لم تنقض عدتها بأن تضع حملا عقيب موته. والثالث: ما لم يتزوج. اهـ.
وراجع الفتوى رقم: 76376.
ومن أهل العلم من نص على بقاء حق الزوجة في تغسيل زوجها حتى ولو تزوجت، وبقاء حق الزوج في تغسيل زوجته وإن تزوج أختها.
قال خليل المالكي في مختصره: ولمن وضعت غسل زوجها، ولو تزوجت. اهـ.
قال المواق في (التاج والإكليل): قال ابن القاسم: وإن وضعت الزوجة حملها بعد موت الزوج وقبل غسله، فجائز أن تغسله وإن كانت عدتها قد انقضت، ولا يلتفت إلى العدة، ألا ترى أن الرجل يغسل امرأته وليس في عدة منها. (والأحب نفيه إن تزوج أختها أو تزوجت غيره) ابن الماجشون: لو مات الزوج وامرأته حامل فولدت قبل غسله، فلها أن تتزوج غيره وتغسله، وإن ماتت هي وتزوج أختها فله أن يغسلها. قال ابن حبيب: أحب إلي إذا نكح أختها أن لا يغسلها. اهـ.
وفي (فتح المعين) للمليباري الشافعي: وله غسل حليلة، ولزوجة غسل زوجها، ولو نكحت ... اهـ.
قال الدمياطي في شرحه (إعانة الطالبين): وقوله: "ولو نكحت غيره" غاية في جواز غسل الزوجة، أي يجوز لها ولو تزوجت غير زوجها الذي مات. ويتصور ذلك بما إذا وضعت الحمل عقب موت زوجها فتزوجت آخر قبل غسل زوجها الميت، وإنما جاز لها ذلك لبقاء حقوق الزوجية. اهـ.
وفي هذا نص على العلة وهي بقاء حقوق الزوجية، وعلل النووي ذلك بقوله في (المجموع): لأنَّه حق ثبت لها، فلا يسقط بشيء من ذلك كالميراث. اهـ.
وقال النووي في (المجموع): قال الشيخ أبو حامد في تعليقه: مذهبنا أن المرأة إذا ماتت كان حكم نظر الزوج إليها بغير شهوة باقيا، وزال حكم نظره بشهوة. اهـ.
وقال عميرة في حاشيته على شرح المحلي للمنهاج: مذهبنا أن الموت محرم للنظر بشهوة في حق الزوجين، دون النظر بغير شهوة. اهـ.
ونقل مثل ذلك البجيرمي في حاشيته عن شيخه المدابغي وزاد: ولو لجميع البدن فيجوز، ومثله المس ولو لجميع البدن على المعتمد. اهـ.
وقد بحث الدكتور عبد الله الطريقي في رسالته العلمية: (النظر وأحكامه في الفقه الإسلامي) حكم نظر الرجل إلى زوجته التي ماتت وهي في عصمته، قال فيه (ص 167): للعلماء في ذلك ثلاثة أقوال:
القول الأول: ذهب الشافعية إلى جواز نظر الزوج لزوجته المتوفاة ما دامت في عصمته بلا خلاف في المذهب، ولجميع البدن ولو لما بين السرة والركبة من غير شهوة. وإلى هذا ذهب الحنابلة في المشهور من روايتهم وهو الصحيح، ويشمل النظر حتى الفرجين بما في ذلك أم الولد من غير شهوة.
القول الثاني: ذهب المالكية إلى أن للرجل أن يغسل امرأته في الحضر مع وجود نساء يغسلنها ما دامت عصمة الزوج باقية إلى الموت .. ويستر منها ما بين السرة إلى الركبة. القول الثالث: ذهب الحنفية إلى أنه لا يحل للرجل أن ينظر إلى زوجته المتوفاة، وكذا أمته المباحة له. وهو قول للحنابلة ورواية عند المالكية، وبه قال سفيان الثوري والشعبي ورواية عن الأوزاعي .. اهـ.
ثم أورد النصوص الفقهية وأدلة الأقوال وناقشها ثم قال (ص 179 ) : من خلال ما سبق من الاستدلال والمناقشة يظهر لي أن الراجح جواز نظر الرجل إلى زوجته التي توفيت وهي في عصمته ... وهذا ما ذهبت إليه جماهير العلماء؛ كما حكاه ابن المنذر. اهـ.
وإذا جاز النظر بغير شهوة إلى الزوجة المتوفاة، فلا بأس بالنظر إلى صورتها، مع مراعاة الخلاف في التصوير الفوتوجرافي والاحتفاظ بالصور للذكرى، ففي ذلك خلاف بين أهل العلم سبق بيانه في الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 10888، 680، 1935.
والله أعلم.