الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأويس القرني ـ رحمه الله ورضي عنه ـ من كبار وسادات التابعين، كان في عصر النبي صلى الله عليه وسلم ولم يره، وشاهد الكبار كعمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب. ونسبته للصوفية لا مسوغ لها، فهذا اللفظ لم يكن موجودا في هذا الزمان أصلا.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: لفظ " الصوفية " لم يكن مشهورا في القرون الثلاثة، وإنما اشتهر التكلم به بعد ذلك، وقد نقل التكلم به عن غير واحد من الأئمة والشيوخ كالإمام أحمد بن حنبل، وأبي سليمان الداراني وغيرهما. وقد روي عن سفيان الثوري أنه تكلم به، وبعضهم يذكر ذلك عن الحسن البصري. اهـ.
وقال ابن حبان في (مشاهير علماء الأمصار) في ترجمة أويس: كان عابدا زاهدا، دينا فاضلا، متخليا، متقشفا، متجردا، متعبدا. اهـ.
وقال عنه الذهبي في السير: القدوة، الزاهد، سيد التابعين في زمانه .... كان من أولياء الله المتقين، ومن عباده المخلصين. اهـ.
وأما لبسه للصوف فلم نجده بإسناد صحيح، وقد روى الحاكم في مستدركه عن أصبغ بن نباتة قال: شهدت عليا يوم صفين يقول: من يبايعني على الموت؟ فبايعه تسعة وتسعون، فقال: أين التمام؟ فجاء رجل على أطمار صوف، محلوق الرأس، فبايع. فقيل: هذا أويس القرني. فما زال يحارب بين يديه حتى قتل. اهـ.
قال الذهبي: سنده ضعيف. اهـ.
وفي المستدرك أيضا عن هرم بن حيان العبدي في وصف أويس: كث اللحية، عليه إزار من صوف، ورداء من صوف، بغير حذاء. اهـ.
وأورد الألباني في (السلسلة الضعيفة) حديثا منكرا جدا، وفيه وصف أويس: مُتَّزِرٌ بإزارِ صوف، ورداء صوف.اهـ.
والذي وجدناه صحيحا أنه لبس بردة ـ وهو كساء مخطط، أو رداء يلبس فوق الثياب ـ فقد روى مسلم في صحيحه حديثا في فضل أويس، عن أسير بن جابر، وفي آخره: قال أسير: وكسوته بردة، فكان كلما رآه إنسان قال: من أين لأويس هذه البردة؟ وراجع الحديث بتمامه في الفتوى رقم: 54976.
وعلى أية حال، فإن صح لبس أويس للصوف، فليس في ذلك حجة لفضيلة لبس الصوف، وليس ذلك من السنة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: روى أبو الشيخ الأصبهاني بإسناده عن محمد بن سيرين أنه بلغه أن قوما يفضلون لباس الصوف فقال: إن قوما يتخيرون الصوف يقولون: إنهم متشبهون بالمسيح بن مريم! وهدي نبينا أحب إلينا، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يلبس القطن وغيره. اهـ.
وقال السيوطي في رسالة (حقيقه السنة والبدعة): ومن الأمور التي يدخل الشيطان عليهم: ترك المباحات، وتعذيب النفس بقلة المطعم حتى ييبس البدن، مع لبس الصوف، وبمنعها الماء البارد. وما هذه طريقة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا طريقة أصحابه وأتباعهم، فقد كانوا يجوعون إذا لم يجدوا، فإذا وجدوا أكلوا ... ولهم في ذلك آفات أخر. اهـ.
وذكر طرفا من ذلك وقال: وتراه أيضاً لما سمع أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرقع ثوبه، وأنه قال لعائشة: " لا تستخلفي ثوباً حتى ترقعيه " وأن عمر رضي الله عنه كان في ثوبه رقاع، وأن أويس القرني كان يلتقط الرقاع من المزابل، ثم يغسلها، ويرقعها ويلبسها. فاختار المرقعات فلبسها لذلك، وقد أبعد، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا يؤثرون البذاذة ويعرضون عن زينة الدنيا، وكان أكثرهم يفعل ذلك بسبب الفقر، كما روي عن مسيلمة بن عبد الملك أنه دخل على عمر بن عبد العزيز وعليه قميص وسخ، فقال: لامرأته فاطمة: اغسلي قميص أمير المؤمنين، فقالت: والله ماله قميص غيره ... فأما إذا لم يكن هذا معرضاً عن الدنيا، ولا زاهداً فيها، ولا يختار البذاذة تواضعاً لله، بل يفعل ذلك تصنعاً ومراءاة، كان كاذباً. اهـ.
وهذا الكلام مأخوذ من كتاب (تلبيس إبليس) لابن الجوزي، فقد عقد فيه فصلا لذكر تلبيسه علي الصوفية من جملة الزهاد. فراجعه لزيادة الفائدة.
وراجع في التعريف بالتصوف ونشأته وحكم الانتماء إليه، الفتوى رقم: 29243.
والله أعلم.