الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فنقول ابتداء إن موضوع الأرض وكونها هبة للميت أم هبة لزوجته وأولاده؟ يُرجع فيه إلى الدولة نفسها, هل هي وهبتها لخالك ولكنه مات قبل القبول أو القبض, أم إن الدولة وهبتها لأولاده وزوجته فقط؟ فإن كان الثاني فإن جدتك ليس لها نصيب في الأرض؛ لأنها ليست من جملة الموهوب لهم, وليست الأرض تركة لابنها حتى يقال إن لها السدس.
وأما إن كانت الأولى – أي أن الدولة وهبت الأرض لخالك ولكنه مات قبل القبول أو القبض - فإن هذه هبة يجري فيها خلاف الفقهاء في الهبة التي يموت فيها الموهوب له قبل قبضها أو قبولها, هل تبطل أم إن حق القبول والقبض ينتقل إلى الورثة؟ قولان لأهل العلم.
جاء في الموسوعة الفقهية: اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيمَا إِذَا مَاتَ الْمَوْهُوبُ لَهُ قَبْل الْقَبُول، هَل تَبْطُل الْهِبَةُ بِمَوْتِهِ، أَمْ أَنَّ حَقَّ الْقَبُول يَنْتَقِل إِلَى وَرَثَتِهِ؟ وَذَلِكَ عَلَى قَوْلَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: لِلْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، وَهُوَ أَنَّ الْمَوْهُوبَ لَهُ إِذَا مَاتَ قَبْل الْقَبُول بَطَلَتِ الْهِبَةُ، وَلَمْ يَكُنْ لِوَرَثَتِهِ حَقُّ الْقَبُول مِنْ بَعْدِهِ .... وَإِذَا مَاتَ بَعْدَ الْقَبُول وَقَبْل الْقَبْضِ، فَإِنَّ الْهِبَةَ تَبْطُل أَيْضًا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ؛ لأِنَّهَا لاَ تَلْزَمُ وَلاَ يَنْتَقِل الْمِلْكُ فِيهَا إِلاَّ بِالْقَبْضِ، وَقَدِ انْعَدَمَ ذَلِكَ بِمَوْتِ الْمَوْهُوبِ لَهُ قَبْلَهُ؛ وَلأِنَّ الْهِبَةَ صِلَةٌ، وَالصِّلاَتُ تَبْطُل بِالْمَوْتِ قَبْل الْقَبْضِ .... وَخَالَفَهُمْ فِي ذَلِكَ الشَّافِعِيَّةُ فِي الْمُعْتَمَدِ، حَيْثُ نَصُّوا عَلَى عَدَمِ انْفِسَاخِ الْهِبَةِ بِمَوْتِ الْمُتَّهِبِ قَبْل الْقَبْضِ؛ لأِنَّهُ عَقْدٌ يَؤول إِلَى اللُّزُومِ، فَلَمْ يَبْطُل بِالْمَوْتِ، كَالْبَيْعِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ، وَيَقُومُ وَارِثُ الْمُتَّهِبِ مَقَامَ مُوَرِّثِهِ فِي الْقَبْضِ.
وَالثَّانِي: لِلْمَالِكِيَّةِ، وَهُوَ أَنَّ الْمَوْهُوبَ لَهُ إِذَا مَاتَ وَلَمْ يَكُنْ يَعْلَمُ بِالْهِبَةِ، فَإِنَّهَا لاَ تَبْطُل، وَيَقُومُ وَرَثَتُهُ مَقَامَهُ فِي الْقَبُول أَوِ الرَّدِّ، إِلاَّ إِذَا كَانَ الْوَاهِبُ يَقْصِدُ شَخْصَ الْمَوْهُوبِ لَهُ وَذَاتَهُ لَفْظًا أَوْ بِدَلاَلَةِ قَرَائِنِ الأْحْوَال، فَحِينَئِذٍ تَبْطُل الْهِبَةُ بِمَوْتِهِ قَبْل الْقَبُول؛ لأِنَّ الْحَقَّ هَاهُنَا شَخْصِيّ، فَيَنْتَهِي بِمَوْتِ صَاحِبِهِ، وَلاَ يَنْتَقِل إِلَى وَرَثَتِهِ. أَمَّا إِذَا مَاتَ الْمَوْهُوبُ لَهُ بَعْدَ عِلْمِهِ بِالْهِبَةِ، وَلَمْ يَظْهَرْ مِنْهُ رَدٌّ حَتَّى مَاتَ، فَإِنَّهُ يُعْتَبَرُ قَابِلاً حُكْمًا، وَيَقُومُ وَرَثَتُهُ مَقَامَهُ فِي الْقَبْضِ، وَكَذَا إِذَا قَبِل صَرَاحَةً، وَلَكِنَّهُ لَمْ يَقْبِضِ الْهِبَةَ حَتَّى وَافَتْهُ الْمَنِيَّةُ، فَيُورَثُ عَنْهُ حَقُّ قَبْضِهَا. اهــ.
وعلى القول بأن الورثة لا يقومون مقام الموهوب له -الميت- فإن الأرض ترد إلى الدولة ولا تكون لأحد من ورثته لا أولاده وزوجته، ولا لأمه إلا أن تهبها لمن أرادتها له من جديد, وعلى القول بأن الورثة يقومون مقام الميت في القبول والقبض، فإنهم إذا قبلوها وقبضوها تصير للورثة هنا, وجدتك ( أم الميت ) منهم ولها سدس الأرض, ويكون لورثتها من بعدها, وإذا اختلفتم أنتم وورثة خالك في كون الأرض هبة من الدولة لهم أم لخالك، فالمرد في فض الخلاف بينكم إلى المحكمة الشرعية.
ومن توفي عن الورثة المذكورين ولم يترك وارثا غيرهم، فإن لأمه السدس فرضا لوجود الفرع الوارث؛ قال الله تعالى: ... وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ ... {النساء : 11 }. ولزوجته الثمن فرضا لوجود الفرع الوارث؛ قال الله تعالى: ... فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ ... { النساء : 12}. والباقي للأبناء والبنتين تعصيبا للذكر مثل حظ الأنثيين؛ لقول الله تعالى: يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ... {النساء : 11 }. ولا شيء للأخت الشقيقة لأنها لا ترث مع وجود الابن.
قال ابن المنذر في الإجماع: وأجمعوا على أن الإخوة من الأب والأم، ومن الأب ذكورا أو إناثا لا يرثون مع الابن ... اهــ.
فتقسم التركة على مائة واثنين وتسعين سهما, للأم سدسها, اثنان وثلاثون سهما, وللزوجة ثمنها, أربعة وعشرون سهما, ولكل ابن أربعة وثلاثون سهما, ولكل بنت سبعة عشر سهما.
والله تعالى أعلم.