الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد قال الإمام البخاري في كتاب المساقاة من صحيحه: حدثنا عبد الله بن محمد، أخبرنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر، عن أيوب، وكثير بن كثير، يزيد أحدهما على الآخر، عن سعيد بن جبير قال: قال ابن عباس - رضي الله عنهما -: قال النبي صلى الله عليه وسلم: يرحم الله أم إسماعيل! لو تركت زمزم ـ أو قال: لو لم تغرف من الماء ـ لكانت عينًا معينًا ...
وقال في كتاب أحاديث الأنبياء من صحيحه: حدثني أحمد بن سعيد أبو عبد الله، حدثنا وهب بن جرير، عن أبيه، عن أيوب، عن عبد الله بن سعيد بن جبير، عن أبيه، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يرحم الله أم إسماعيل! لولا أنها عجلت لكان زمزم عينًا معينًا ..
ثم روى البخاري الحديث بطوله من وجه آخر، فقال: حدثني عبد الله بن محمد، حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر، عن أيوب السختياني، وكثير بن كثير بن المطلب بن أبي وداعة، يزيد أحدهما على الآخر، عن سعيد بن جبير، قال ابن عباس: أول ما اتخذ النساء المنطق من قبل أم إسماعيل، اتخذت منطقًا لتعفي أثرها على سارة ـ فذكر القصة، وفيها: فإذا هي بالملك عند موضع زمزم، فبحث بعقبه ـ أو قال: بجناحه ـ حتى ظهر الماء، فجعلت تحوضه، وتقول بيدها هكذا، وجعلت تغرف من الماء في سقائها، وهو يفور بعدما تغرف، قال ابن عباس: قال النبي صلى الله عليه وسلم: يرحم الله أم إسماعيل! لو تركت زمزم ـ أو قال: لو لم تغرف من الماء ـ لكانت زمزم عينًا معينًا. قال: فشربت، وأرضعت ولدها، فقال لها الملك: لا تخافوا الضيعة؛ فإن ها هنا بيت الله يبني هذا الغلام وأبوه، وإن الله لا يضيع أهله ...
وراجع في ذلك الفتويين: 23503، 80165.
قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: قوله: "فجعلت تُحَوِّضُه" أي: تجعله مثل الحوض، وفي رواية ابن نافع: "فدهشت أم إسماعيل فجعلت تحفر" وفي رواية الكشميهني من رواية ابن نافع: "تحفن" بنون بدل الراء، والأول أصوب؛ ففي رواية عطاء بن السائب: "فجعلت تفحص الأرض بيديها" ... وفي حديث علي: "فجعلت تحبس الماء" فقال: دعيه فإنها رواء ... اهـ.
وقال في هدي الساري: قوله: "جعلت تحوضه" أي تجعل له حوضًا يجتمع فيه الماء. اهـ.
وقال الشيخ حمزة محمد قاسم في منار القاري: أي: فصارت تحيطه بالتراب وتجعله حوضًا. اهـ.
والله أعلم.