الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فليس بين الحديثين شبهة تعارض أصلا حتى يطلب الجمع بينهما، بل هما متفقان على الأمر بدفع المار بين يدي المصلي بحسب الاستطاعة، وإثبات كون هذا المار شيطانا، ومعناه كما قال القاضي: إنما حمله عَلَى مُرُورِهِ وَامْتِنَاعِهِ مِنَ الرُّجُوعِ الشَّيْطَانُ، وَقِيلَ مَعْنَاهُ يَفْعَلُ فِعْلَ الشَّيْطَانِ، لِأَنَّ الشَّيْطَانَ بَعِيدٌ مِنَ الْخَيْرِ وَقَبُولِ السُّنَّةِ، وَقِيلَ الْمُرَادُ بِالشَّيْطَانِ الْقَرِينُ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ، فَإِنَّ مَعَهُ الْقَرِينُ. انتهى.
فقوله في الحديث الأول: وادرؤوا ما استطعتم ـ هو ما ورد في الحديث الثاني من الأمر بمدافعته ثم مقاتلته إن أبى، وذكر العلة في الحديثين وهي كونه شيطانا، ومعناه ما تقدم، وفي الحديث الأول زيادة أن الصلاة لا يقطعها شيء، ومعناه أن هذا المار إن مر بين يدي المصلي لم تبطل صلاته بذلك، والحديث الأول رواه أبو داود في سننه وفي إسناده مجالد بن سعيد وهو متكلم فيه، وفي هذه المسألة التي أثبتها هذا الحديث وهي أن الصلاة لا يقطعها شيء خلاف مشهور بين أهل العلم وأخذ ورد كثير، والمقصود أن الحديثين المذكورين ليس بينهما تعارض حتى تطلب إزالته، بل معناهما متفق.
والله أعلم.