الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأما قولك: "لا أذكر هل عندما حلفت كنت بالغًا أم لا" فالحكم فيه أنه إذا لم يحصل لك يقين بأنك كنت بالغًا زمن حلفك: فإنه لا شيء عليك؛ لعدم التحقق من التكليف؛ فمن القواعد المقررة شرعًا أن اليقين لا يزول بالشك، وقد سبق بيان شيء من هذا في الفتوى رقم: 103637، وانظر أيضا الفتوى رقم: 26889، لبيان علامات البلوغ.
وأما إذا حصل عندك يقين بأنك كنت بالغًا زمن حلفك فإنك - حينئذ - إذا قرأت ما كتب لك صديقك قبل أن يقرأ هو ما كتبت له: فقد حنثت في يمينك؛ جاء في البيان والتحصيل لابن رشد المالكي: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي أَخَوَيْنِ حَلَفَ أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ: إنْ كَلَّمْتُك أَبَدًا حَتَّى تَبْدَأَنِي، ثُمَّ حَلَفَ الْآخَرُ إنْ كَلَّمْتُك أَبَدًا حَتَّى تَبْدَأَنِي: إنَّ الْأَيْمَانَ عَلَيْهِمَا عَلَى مَا حَلَفَا عَلَيْهِ مَنْ بَدَأَ مِنْهُمَا صَاحِبُهُ فَهُوَ حَانِثٌ.
وكذلك إذا قرأت ما كتبه قبل أن تعلم أنه قرأ ما كتبت، ولو كان هو قد قرأ قبلك، جاء في التاج والإكليل للمواق من كتب المالكية: قَالَ مَالِكٌ: مَنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ خَرَجْت إلَّا بِإِذْنِي، فَأَذِنَ لَهَا فِي سَفَرٍ، أَوْ حَيْثُ لَا تَسْمَعُهُ، وَأَشْهَدَ بِذَلِكَ فَخَرَجَتْ بَعْدَ إذْنِهِ وَقَبْلَ عِلْمِهَا بِالْإِذْنِ، فَهُوَ حَانِثٌ.
وذهب الشافعية إلى عدم الحنث في حال قراءته هو قبلك، ولم تعلم أنت بذلك، فقرأت له؛ جاء في القوانين الفقهية لابن جزي المالكي: من حلف أَلا تخرج زَوجته إِلَّا بِإِذْنِهِ فَأذن لَهَا وَلم تعلم أَو لم تسمع وخرجت حنث خلافًا للشَّافِعِيّ.
وجاء في المجموع في الفقه الشافعي: وإن قال: إن خرجت إلا بإذني فأنت طالق، فأذن لها، ولم تعلم بالإذن، ثم خرجت لم تطلق .. كما لو قال: إن خرجت قبل أن أقوم فأنت طالق، ثم قام ولم تعلم به.
وعلى أية حال: فالأحوط أن تكفر عن يمينك إذا حصل لك يقين بأنك قد بلغت سن التكليف في وقت حلفك.
والله أعلم.