الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، ومن والاه، أما بعد:
فإذا تأخر ذلك المأموم - كما ذكرت - عن الركوع مع الإمام حتى رفع رأسه منه، فإنه يكون قد تخلف عن الإمام بركن بلا عذر ما دام يرى أن الإمام يحمل عنه القراءة.
والقائلون بأن المأموم يتابع إمامه في الركوع، ولا يتأخر لإكمال الفاتحة، فإنه إن تأخر حتى رفع الإمام من الركوع، فإنه يكون قد تخلف عن الإمام بركن بلا عذر - والتخلف بركن معناه: أن يتم الإمام الركن الذي سبق إليه، والمأموم بعد فيما قبله - والتخلف عنه بركن تبطل به الصلاة عند الحنابلة في الركوع خاصة، جاء في شرح المنتهى من كتب الحنابلة: وَإِنْ تَخَلَّفَ مَأْمُومٌ عَنْ إمَامِهِ بِرُكْنٍ بِلَا عُذْرٍ، فَكَسَبْقٍ بِهِ بِلَا عُذْرٍ، فَإِنْ كَانَ رُكُوعًا بَطَلَتْ، وَإِلَّا فَلَا. اهــ
والمالكية يفرقون بين أن يقع هذا التخلف في الركعة الأولى للمأموم، أو في غيرها, فيبطلون الصلاة إن تخلف في الركعة الأولى بلا عذر، ولا يبطلونها إن تخلف في غيرها, جاء في الشرح الكبير للدردير: لَوْ تَعَمَّدَ تَرْكَ الرُّكُوعِ مَعَ الْإِمَامِ، لَمْ يَتَّبِعْهُ، لَكِنَّ الرَّاجِحَ أَنَّهُ يَتَّبِعُهُ أَيْضًا فِي غَيْرِ الْأُولَى، كَذِي الْعُذْر، فَلَا فَرْقَ بَيْنَ ذِي الْعُذْرِ وَغَيْرِهِ، إلَّا أَنَّ الْمَعْذُورَ لَا يَأْثَمُ، وَيَأْثَمُ غَيْرُهُ، وَأَمَّا لَوْ تَعَمَّدَ تَرْكَ الرُّكُوعِ مَعَهُ فِي الْأُولَى؛ لَبَطَلَتْ الصَّلَاةُ كَمَا جَزَمَ بِهِ الْأُجْهُورِيُّ، لَا الرَّكْعَةُ فَقَطْ، وَكَذَا لَوْ تَعَمَّدَ تَرْكَ الرُّكُوعِ مَعَهُ فِي غَيْرِ الْأُولَى حَتَّى رَفَعَ مِنْ سُجُودِهَا. اهــ
إذا تبين هذا فإن كان ذلك المأموم مقلدًا لهؤلاء الفقهاء فإن صلاته تبطل - على الخلاف بين المالكية، والحنابلة في غير الركعة الأولى - لكن إن ظهر له أن القول بصحة الصلاة أقوى دليلًا، أو استفتى من يثق بدينه وعلمه فأفتاه بالصحة، فله الأخذ بهذا, والعامي له أن يعمل بخلاف المذهب الذي يقلده إذا ظهر له رجحان غيره، أو استفتى عالمًا فأفتاه، وإنما يُمنع من تتبع الرخص والتشهي.
والله تعالى أعلم.