الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن صح ما ذكرت عن زوجتك من إقامتها علاقات مع رجال أجانب عنها، وأنها قد وقعت مع بعضهم في الزنا، فلا شك في أنها قد أتت معصية عظيمة، فالزنا كبيرة من كبائر الذنوب؛ وراجع الفتوى رقم: 1602.
وإن تابت هذه المرأة، وأنابت إلى الله، واستقام أمرها، وحسنت سيرتها، فأمسكها، وأحسن عشرتها وصحبتها؛ فقد ثبت في سنن الترمذي وسنن ابن ماجه عن أنس- رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كل ابن آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون. ومن تاب من ذنبه تاب الله عليه؛ قال تعالى: وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى {طه:82}، وفي الصحيحين عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فإن العبد إذا اعترف ثم تاب، تاب الله عليه. أي اعترف بذنبه لربه، وليس معنى ذلك أن يخبر أحدا بما ارتكب من ذنب، فإنه مطلوب منه شرعا أن يستر على نفسه، ويستر على غيره كما بينا في الفتوى رقم: 33442.
واجتهد في نسيان ما مضى، واستقبل معها حياة جديدة ملؤها المودة وحسن العشرة، واحرص على تربيتها على الخير، وتعليمها أمر دينها، وإعانتها في الاستقامة عليه، وكن قدوة لها في عمل الصالحات، والحرص على رضا رب الأرض والسماوات؛ قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ {التحريم:6}. قال ابن عباس رضي الله عنهما: أي علموهم، وأدبوهم.
وحاصل الأمر أنه لا ينبغي أن تستعجل لطلاقها إلا إذا علمت أنها ما زالت في غيها ولم ينفعها النصح، فطلاقها حينئذ أولى.
قال ابن قدامة ـ عند كلامه على أقسام الطلاق: والرابع: مندوب إليه، وهو عند تفريط المرأة في حقوق الله الواجبة عليها ـ مثل الصلاة ونحوها ـ ولا يمكنه إجبارها عليها، أو تكون له امرأة غير عفيفة. قال أحمد: لا ينبغي له إمساكها؛ وذلك لأن فيه نقصا لدينه، ولا يأمن إفسادها لفراشه، وإلحاقها به ولدا ليس هو منه، ولا بأس بعضلها ـ في هذه الحال ـ والتضييق عليها لتفتدي منه؛ قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ {النساء:19} ، ويحتمل أن الطلاق في هذين الموضعين واجب. اهـ.
والزواج من ثانية مباح لمن كان قادرا على مؤنته، وعلى العدل بين زوجتيه، والأولى أن لا يلجأ إليه إلا لمن علم رجحان مصلحته عنده بحيث لا يكون سببا في تشتت شمل الأسرة، وزيادته إشكالا على إشكاله. ولمزيد الفائدة راجع الفتويين: 4955- 97502.
نسأل الله أن يحفظ زوجاتنا من الفواحش، والفتن ما ظهر منها وما بطن، فمن دعاء المؤمنين: وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا {الفرقان:74}. نسأله أن يحقق لنا ذلك.
والله أعلم.