الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الله جل وعلا قد أمر عباده بغض البصر؛ فقال: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ {النور:30}. ولم يكن سبحانه ليأمرهم بشيء وهم لا يستطيعونه ولا يطيقونه؛ فإنه تعالى لا يكلف نفسا إلا وسعها.
وقال ابن حجر الهيتمي في التحفة: ويحرم نظر فحل ...(بالغ)... عاقل مختار إلى عورة حرة... (كبيرة) ولو شوهاء بأن بلغت حداً تشتهى فيه لذوي الطباع السليمة، لو سلمت من مشوه بها كما يأتي (أجنبية)، وهي ما عدا وجهها وكفيها بلا خلاف؛ لقوله تعالى: قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ [النــور: 30]، ولأنه إذا حرم نظر المرأة إلى عورة مثلها كما في الحديث الصحيح فأولى الرجل، (وكذا وجهها) أو بعضه ولو بعض عينها، أو من وراء نحو ثوب يحكي ما وراءه (وكفها)، أو بعضه أيضا، وهو من رأس الأصابع إلى الكوع (عند خوف الفتنة) إجماعاً من داعية نحو مس لها، أو خلوة بها، وكذا عند النظر بشهوة بأن يلتذ به، وإن أمن الفتنة قطعاً (وكذا عند الأمن من الفتنة) فيما يظنه من نفسه وبلا شهوة (على الصحيح). انتهى.
وليس عليك من حرج في النظرة الأولى نظرة الفجأة؛ قال النبي- صلى الله عليه وسلم:..لا تتبع النظرة النظرة؛ فإن لك الأولى وليست لك الآخرة. رواه أحمد وغيره. وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.
وجاء في عون المعبود: لا تتبع النظرة النظرة .. أي لا تعقبها إياها، ولا تجعل أخرى بعد الأولى ( فإن لك الأولى ) أي النظرة الأولى إذا كانت من غير قصد ( وليست لك الآخرة ) أي النظرة الآخرة؛ لأنها باختيارك فتكون عليك.
والمقصود هنا بالنظرة الأولى نظرة الفجأة كما في حديث جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ نَظَرِ الْفُجَاءَةِ فَأَمَرَنِي أَنْ أَصْرِفَ بَصَرِي. رواه مسلم.
والأماكن التي لا تستطيع أن تغض بصرك فيها، يجب عليك عدم الذهاب إليها إلا إذا دعت إلى ذلك حاجة معتبرة شرعا.
قال النووي في شرح صحيح مسلم: وَيَجِب عَلَى الرِّجَال غَضّ الْبَصَر عَنْهَا فِي جَمِيع الْأَحْوَال إِلَّا لِغَرَضٍ صَحِيح شَرْعِيّ, وَهُوَ حَالَة الشَّهَادَة، وَالْمُدَاوَاة, وَإِرَادَة خِطْبَتهَا، أَوْ الْمُعَامَلَة بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاء, وَغَيْرهمَا, وَنَحْو ذَلِكَ, وَإِنَّمَا يُبَاح فِي جَمِيع هَذَا قَدْر الْحَاجَة دُون مَا زَادَ . وَاللَّه أَعْلَم . انتهى. وللفائدة يرجى مراجعة الفتوى رقم: 175099 .
والله أعلم.