الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
ففي كتابة عائشة - رضي الله عنها - هذه اللفظة في مصحفها وجوه من الاحتمال، فيحتمل أنه لم يبلغها النسخ، ويحتمل أنها أثبتتها على جهة التفسير، لا على أنها قرآن، ويحتمل غير ذلك، قال الزرقاني في شرح الموطأ في الكلام على قول عائشة - رضي الله عنها -: سَمِعْتُهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَالَ الْبَاجِيُّ: يُحْتَمَلُ أَنَّهَا سَمِعَتْهَا عَلَى أَنَّهَا قُرْآنٌ، ثُمَّ نُسِخَتْ - كَمَا فِي حَدِيثِ الْبَرَاءِ - فَلَعَلَّ عَائِشَةَ لَمْ تَعْلَمْ بِنَسْخِهَا، أَوِ اعْتَقَدَتْ أَنَّهَا مِمَّا نُسِخَ حُكْمُهُ وَبَقِيَ رَسْمُهُ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ ذَكَرَهَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَنَّهَا مِنْ غَيْرِ الْقُرْآنِ؛ لِتَأْكِيدِ فَضِيلَتِهَا، فَظَنَّتْهَا قُرْآنًا، فَأَرَادَتْ إِثْبَاتَهَا فِي الْمُصْحَفِ لِذَلِكَ، أَوْ أَنَّهَا اعْتَقَدَتْ جَوَازَ إِثْبَاتِ غَيْرِ الْقُرْآنِ مَعَهُ، عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ أُبَيٍّ، وَغَيْرِهِ مِنَ الصَّحَابَةِ أَنَّهُمْ جَوَّزُوا إِثْبَاتَ الْقُنُوتِ، وَبَعْضِ التَّفْسِيرِ فِي الْمُصْحَفِ، وَإِنْ لَمْ يَعْتَقِدُوهُ قُرْآنًا. اهـ. واحتماله الثاني ليس بظاهر. انتهى كلام الزرقاني.
واستظهر بعض أهل العلم الأخير، وأنها أثبتته في مصحفها، لا على أنه قرآن، قال القاسمي - رحمه الله -: فهذا من عائشة - رضي الله عنها - إعلام بالمراد من (الوسطى) عندها، ضمّت التأويل إلى أصل التنزيل؛ لأمن اللبس فيه؛ لأن القرآن متواتر، مأمون أن يزاد فيه أو ينقص، وكان في أول العهد بنسخه ربما ضمّ بعض الصحابة تفسيرًا إليه، أو حرفًا يقرؤه؛ ولذا لمّا خشي عثمان - رضي الله عنه - أن يرتاب في كونه من التنزيل - مع أنه ليس منه - أمر بأن تجرد المصاحف في عهده مما زيد فيها من التأويل، وحروف القراءات التي انفرد بعض الصحب، وأن يقتصر على المتواتر تنزيله، وتلقّيه من النبيّ صلّى الله عليه وسلم. انتهى.
والله أعلم.