الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما جاء في بعض الروايات بخصوص تطليق النبي -صلى الله عليه وسلم- لبنت الجون -أو غيرها- وأنّ سبب ذلك حيلة قامت بها أمّ المؤمنين عائشة –رضي الله عنها- أو غيرها من أمهات المؤمنين بقولهم للمرأة: إنّ النبي –صلى الله عليه وسلم- يحب أن يقال له: أعوذ بالله منك، فهذه الروايات باطلة لا تصح.
قال ابن حجر –رحمه الله-: «نَكَحَ امْرَأَةً ذَاتَ جَمَالٍ، فَلُقِّنَتْ أَنْ تَقُولَ لَهُ: أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْك، فَلَمَّا قَالَتْ ذَلِكَ قَالَ: لَقَدْ اسْتَعَذْتِ بِمَعَاذٍ، الْحَقِي بِأَهْلِك» . انْتَهَى.
قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ فِي مُشْكِلِهِ: هَذَا الْحَدِيثُ أَصْلُهُ فِي الْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُسَيْدٍ السَّاعِدِيِّ دُونَ مَا فِيهِ أَنَّ نِسَاءَهُ عَلَّمْنَهَا ذَلِكَ، قَالَ: وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ بَاطِلَةٌ، وَقَدْ رَوَاهَا ابْنُ سَعْدٍ فِي الطَّبَقَاتِ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ. انْتَهَى. قُلْت: فِيهِ الْوَاقِدِيُّ وَهُوَ مَعْرُوفٌ بِالضَّعْفِ. التلخيص الحبير.
وقال الألباني –رحمه الله- : "....وأشد من هذا الحديث ضعفا ما أخرجه ابن سعد أيضا (8/145 - 146) ، والحاكم (4/37) من طريق محمد بن عمر: أخبرنا هشام بن محمد: حدثني ابن الغسيل عن حمزة ابن أبي أسيد الساعدي عن أبيه - وكان بدريا - قال: تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم أسماء بنت النعمان الجونية، فأرسلني، فجئت بها، فقالت حفصة لعائشة، أو عائشة لحفصة: اخضبيها أنت، وأنا أمشطها. ففعلن، ثم قالت لها إحداهما: إن النبي صلى الله عليه وسلم يعجبه من المرأة إذا دخلت عليه أن تقول: أعوذ بالله منك، فلما دخلت عليه، وأغلق الباب، وأرخى الستر مد يده إليها، فقالت: أعوذ بالله منك، فقال بكمه على وجهه، فاستتر به، وقال: عذت معاذا. (ثلاث مرات) . قال أبو أسيد: ثم خرج علي فقال: يا أبا أسيد؛ ألحقها بأهلها، ومتعها برازقيتين. يعني كرباستين، فكانت تقول: ادعوني الشقية. قلت: سكت عنه الحاكم، وقال الذهبي: " قلت: سنده واه ". قلت: بل هو بهذا السياق موضوع؛ لأن هشام بن محمد؛ وهو الثعلبي متروك، ومحمد بن عمر، وهو الواقدي؛ كذاب. وقد خولفا في متنه، فقال البخاري (9/311) : حدثنا أبو نعيم: حدثنا عبد الرحمن بن غسيل به مختصرا، وليس فيه ذكر لحفصة وعائشة مطلقا، ولا قول إحداهما: إن النبي صلى الله عليه وسلم يعجبه من المرأة ... إلخ." سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة.
وللفائدة راجع الفتوى رقم: 114854
والله أعلم.