الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله لك الشفاء والعافية، ثم اعلم أن علاج ما تعاني منه من الوساوس هو الإعراض عنها، وعدم الالتفات إليها، فتغسل وجهك حتى تعلم أنك أوصلت الماء إلى جميعه، دون تكلف، أو تنطع، ولا تزد على ثلاث غسلات، ثم لا تلتفت إلى ما يوهمك به الشيطان من أنك لم تعم الوجه بالغسل، وتغسل يديك ورجليك بأن تصب الماء على جميع العضو، وتعمه بالغسل، ولا تزد على ثلاث غسلات، ثم لا تبال بعد ذلك بما يلقيه الشيطان في روعك من أنك لم تغسل شعر اليدين، أو غيره، كما ينبغي، وهكذا تعمم رجلك بالغسل، لا تزيد على ثلاث غسلات، وتعرض عن الوساوس مهما أوهمك الشيطان أنه بقيت شقوق لم يصلها الماء؛ بهذا تتعافى من هذا الداء - نسأل الله لك العافية -.
وأما حد الوجه عرضًا، فهو: ما بين شحمتي الأذنين، وذهب مالك إلى أن البياض بين اللحية والأذن ليس من الوجه، قال في المغني: وَقَالَ مَالِكٌ: مَا بَيْنَ اللِّحْيَةِ وَالْأُذُنِ لَيْسَ مِنْ الْوَجْهِ، وَلَا يَجِبُ غَسْلُهُ؛ لِأَنَّ الْوَجْهَ مَا تَحْصُلُ بِهِ الْمُوَاجَهَةُ، وَهَذَا لَا يُوَاجَهُ بِهِ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ لَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ قَالَ بِقَوْلِ مَالِكٍ هَذَا. انتهى.
فإذا علمت ما نقلناه تبين لك أن الواجب عليك عند الجماهير هو غسل جميع ما يسمى وجهًا، وليس في هذا مشقة توقع في الوسوسة.
وأما شعر اليدين والرجلين: فغسل أصولهما مستلزم لغسل الظاهر، ولا بد، فدع عنك الوساوس، واكتف بصب الماء على يديك ورجليك حتى تغمرهما بالماء، وبهذا يحصل الغسل الواجب.
وأما الشقوق: فما كان منها غائرًا في الجلد لم يجب إيصال الماء إلى باطنه، وما كان منها ظاهرًا وجب إيصال الماء إليه، وهذا يحصل بمجرد صب الماء على العضو بلا تكلف، أو تنطع، قال في مغني المحتاج: وَغَسْلُ بَاطِنِ ثُقْبٍ، وَشُقُوقٍ فِيهِمَا، إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ غَوْرٌ فِي اللَّحْمِ، وَإِلَّا وَجَبَ غَسْلُ مَا ظَهَرَ مِنْهُ فَقَط، ويجري هذا في سائر الأعضاء. انتهى.
وبه يتبين لك ما ذكرنا من أنك لو طرحت الوساوس، وأعرضت عنها، لم تجد أدنى مشقة في طهارتك، وعباداتك كلها.
والله أعلم.