الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الأسباب يُعلم أنها أسباب إما عن طريق القدر: بأن يعلم ذلك بالتجربة، ونحوها، وإما عن طريق الشرع شرعًا: بأن يرد في الشرع أن هذا الأمر سبب.
والسبب الكوني: قد يكون مباحًا، وقد يكون محرمًا، فليس كل سبب لحصول المقدور يكون مباحًا، فالغش -مثلًا- سبب للكسب، لكنه سبب محرم غير مشروع، قال ابن عثيمين: وطريق العلم بأن الشيء سبب:
إما عن طريق الشرع؛ وذلك كالعسل: {فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ}، وكقراءة القرآن فيها شفاء للناس، قال الله تعالى: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ}، وإما عن طريق القدر، كما إذا جربنا هذا الشيء فوجدناه نافعًا في هذا الألم، أو المرض. اهـ .
ووضع المخطوبة للمكياج هو من الأسباب الكونية لقبول الخاطب، وأما حكمه في الشرع: فقد سبق أن بينا أن اليسير منه مباح، كما في الفتوى رقم: 56946.
لكن ليس كل ترك للسبب يكون عجزًا مذمومًا، وإنما المذموم هو ترك الأسباب بالكلية بحجة التوكل، قال ابن تيمية: قَالَ طَائِفَة من الْعلمَاء: الِالْتِفَات إِلَى الْأَسْبَاب شرك فِي التَّوْحِيد، ومحو الْأَسْبَاب أَن تكون أسبابًا نقص فِي الْعقل، والإعراض عَن الْأَسْبَاب بِالْكُلِّيَّةِ قدح فِي الشَّرْع، وَإِنَّمَا التَّوَكُّل الْمَأْمُور بِهِ مَا يجْتَمع فِيهِ مقتضي التَّوْحِيد، وَالْعقل. اهـ.
وقال ابن القيم: للتوكل ثلاث علل: إحداها: أن يترك ما أمر به من الأسباب استغناء بالتوكل عنها، فهذا توكل عجز، وتفريط، وإضاعة، لا توكل عبودية، وتوحيد، كمن يترك الأعمال التي هي سبب النجاة، ويتوكل في حصولها، ويترك القيام بأسباب الرزق - من العمل، والحراثة، والتجارة، ونحوها - ويتوكل في حصوله، ويترك طلب العلم، ويتوكل في حصوله، فهذا توكله عجز، وتفريط، كما قال بعض السلف: لا تكن ممن يجعل توكله عجزًا، وعجزه توكلًا. اهـ.
فالمخطوبة التي لا تضع المكياج ليراها الخاطب على خلقتها الطبيعية ليست مذمومة على ذلك البتة، وليس ذلك من العجز المذموم، وانظري للفائدة الفتوى رقم: 44824.
وننبهك إلى أن قول الواحدة: " لو كنت قد وضعته لحدث نصيب" فيه خطأ ينبغي الحذر منه، فعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله، ولا تعجز، وإن أصابك شيء، فلا تقل: لو أني فعلت كان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان. أخرجه مسلم.
والله أعلم.