الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ذكرتَ أن المس يأتي بمعنى الجنون، وعلى هذا المعنى فلا تعارض أصلًا، وكلمة المس، واللمس، استعملت في القرآن بمعنى الجماع، وليس هو مسًّا خارجيًا مجردًا، وراجع الفتوى رقم: 94636.
وعلى هذا فلا تعارض بين الآية، والحديث؛ لأن المس ليس قاصرًا على ما ذكرت آخرًا، بل هناك علاقة بين المعنيين؛ قال القاسمي: وأصل المس باليد، ثم استعير للجنون؛ لأن الشيطان يمسه فيجنه.
على أن من أهل العلم من يحمل الحديث على أنه مجاز عن الوسوسة، وإن كان القول الأول أصح؛ قال ابن عاشور: وَالْمَسُّ فِي الْأَصْلِ هُوَ اللَّمْسُ بِالْيَدِ، كَقَوْلِهَا: «الْمَسُّ مَسُّ أَرْنَبٍ» - جزء من حديث أم زرع، وهو في الصحيحين - وَهُوَ إِذَا أُطْلِقَ مُعَرَّفًا بِدُونِ عَهْدِ مَسٍّ مَعْرُوفٍ دَلَّ عِنْدَهُمْ عَلَى مَسِّ الْجِنِّ، فَيَقُولُونَ: رَجُلٌ مَمْسُوسٌ، أَيْ مَجْنُونٌ، وَإِنَّمَا احْتِيجَ إِلَى زِيَادَةِ قَوْلِهِ: مِنَ الْمَسِّ؛ لِيَظْهَرَ الْمُرَادُ مِنْ تَخَبُّطِ الشَّيْطَانِ، فَلَا يُظَنُّ أَنَّهُ تَخَبُّطٌ مَجَازِيٌّ بِمَعْنَى الْوَسْوَسَةِ، وَ(مِنْ) ابتدائية مُتَعَلقَة بيتخبّطه لَا مَحَالَةَ. وراجع ذلك في الفتوى رقم: 80212 حول معنى حديث: إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم. وراجع للفائدة الفتوى رقم: 130121، وتوابعها.
والله أعلم.