الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فحيث علمت بحرمة النظر إلى الرجال بشهوة، فتبت إلى الله تعالى، وامتنعت عنه، وجاهدت نفسك، فلست ممن عناهم ابن القيم بهذا الكلام, بل أنت مأجور - إن شاء الله - على نهي نفسك عن ذلك، مع قدرتك عليه.
ولهذا يقول ابن القيم - رحمه الله - عن العاشق الذي يصبر لله، ويعف لله، ويكتم لله: وهذا لا يكون إلا مع قدرته على معشوقه، وإيثار محبة الله، وخوفه، ورضاه، وهذا أحق من دخل تحت قوله تعالى: (وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى * فإن الجنة هي المأوى) وتحت قوله تعالى: (ولمن خاف مقام ربه جنتان) فنسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يجعلنا ممن آثر حبّه على هواه، وابتغى بذلك قربه ورضاه. الجواب الكافي.
فالزم هذا الطريق، واثبت عليه.
وأما كلامه الأول: فالظاهر أنه يقصد به من لم ينه نفسه عن العشق، بل استرسل معه، فعمل ما يمقته الله جل وعلا.
ثم اعلم أنه لا ملجأ، ولا منجى من الله إلا إليه، وعلى المسلم أن يسير إلى ربه متوازنًا بين الخوف والرجاء، فلا يغلّب جانب الرجاء حتى يؤدي به إلى التفريط في جنب الله، كما لا يغلبّ جانب الخوف حتى يصاب باليأس والقنوط.
فأحسن الظن بربك سبحانه وتعالى، وأقبل عليه، يقبل عليك برحمته ورضوانه، فإنه تعالى يقول في الحديث القدسي: أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه، ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملإ، ذكرته في ملإ خير منهم، وإن تقرب إلي بشبر، تقربت إليه ذراعًا، وإن تقرب إلي ذراعًا، تقربت إليه باعًا، وإن أتاني يمشي، أتيته هرولة. متفق عليه.
والله أعلم.