الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فلم يتضح لنا المراد تماما من سؤالك: " هل يعد البيت قبرا والنساء يصلين .. " , وإن كان مرادك هل الحديث يشمل النساء أيضا، أم إنه موجه للرجال؟ فالجواب أن الحديث موجه للرجال؛ لأنهم هم المطالبون بالصلاة في المساجد، ثم خوطبوا بأن لا يجعلوا كل صلاتهم خارج البيت، وأن يجعلوا للبيت نصيبا من الصلاة, بينما النساء مخاطبات في الأصل بالصلاة في البيت ابتداء فريضة، ونفلا بخلاف الرجال؛ ولذا قال العلماء: إن المراد بالصلاة الواردة في الحديث صلاة النافلة.
قَالَ الْقُرْطُبِيّ في شرح الحديث الذي أشرت إليه:" مِنْ " لِلتَّبْعِيضِ، وَالْمُرَاد النَّوَافِل، بِدَلِيلِ مَا رَوَاهُ مُسْلِم مِنْ حَدِيث جَابِر مَرْفُوعًا: إِذَا قَضَى أَحَدكُمْ الصَّلَاة فِي مَسْجِده، فَلْيَجْعَلْ لِبَيْتِهِ نَصِيبًا مِنْ صَلَاته. اهــ.
وقال النووي في شرح مسلم: الْمُرَاد لَهُ صَلَاة النَّافِلَة، أَيْ: صَلُّوا النَّوَافِل فِي بُيُوتكُمْ. وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاض: قِيلَ هَذَا فِي الْفَرِيضَة، وَمَعْنَاهُ: اِجْعَلُوا بَعْض فَرَائِضكُمْ فِي بُيُوتكُمْ، لِيَقْتَدِيَ بِكُمْ مَنْ لَا يَخْرُج إِلَى الْمَسْجِد مِنْ نِسْوَة، وَعَبِيد، وَمَرِيض وَنَحْوهمْ.....
قُلْت: الصَّوَاب أَنَّ الْمُرَاد النَّافِلَة، وَجَمِيع أَحَادِيث الْبَاب تَقْتَضِيه، وَلَا يَجُوزُ حَمْله عَلَى الْفَرِيضَة، وَإِنَّمَا حَثَّ عَلَى النَّافِلَة فِي الْبَيْت لِكَوْنِهِ أَخْفَى وَأَبْعَدَ مِنْ الرِّيَاء، وَأَصْوَن مِن الْمُحْبِطَات، وَلِيَتَبَرَّك الْبَيْت بِذَلِكَ وَتَنْزِل فِيهِ الرَّحْمَة وَالْمَلَائِكَة، وَيَنْفِر مِنْهُ الشَّيْطَان، كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيث الْآخَر، وَهُوَ مَعْنَى قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: فَإِنَّ اللَّه جَاعِل فِي بَيْته مِنْ صَلَاته خَيْرًا. اهــ.
إذا تبين هذا، عرفت أن الحديث موجه في الأصل إلى الرجال لا للنساء، كما ذكرنا؛ إذ المرأة مخاطبة في الأصل بجعل كل صلاتها في البيت فريضة ونفلا، وصلاتها في بيتها أفضل. ومع ذلك فليس من شك في أنها لو تركت الصلاة في بيتها بالكلية فريضة، ونفلا، أنها تكون قد جعلت بيتها كالقبر الذي لا يصلي فيه صاحبه الميت.
والله تعالى أعلم.