الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالأعمال الحسنة التي لا تفتقر صحتها إلى نية التعبد، كالمثال الذي في السؤال ونحوه، لا مانع من أن يجد الكافر أو غيره أثرها في الدنيا، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الكافر إذا عمل حسنة أطعم بها طعمة من الدنيا، وأما المؤمن فإن الله يدخر له حسناته في الآخرة، ويعقبه رزقاً في الدنيا على طاعته. رواه مسلم عن أنس.
قال النووي: أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الْكَافِرَ الَّذِي مَاتَ عَلَى كُفْرِهِ لَا ثَوَابَ لَهُ فِي الْآخِرَةِ، وَلَا يُجَازَى فِيهَا بِشَيْءٍ مِنْ عَمَلِهِ فِي الدُّنْيَا، مُتَقَرِّبًا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَصَرَّحَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ بِأَنْ يُطْعَمَ فِي الدُّنْيَا بِمَا عَمِلَهُ مِنَ الْحَسَنَاتِ، أَيْ: بِمَا فَعَلَهُ مُتَقَرِّبًا بِهِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى مِمَّا لَا يَفْتَقِرُ صِحَّتُهُ إِلَى النِّيَّةِ، كَصِلَةِ الرَّحِمِ وَالصَّدَقَةِ وَالْعِتْقِ وَالضِّيَافَةِ وَتَسْهِيلِ الْخَيْرَاتِ وَنَحْوِهَا.
وانظر الفتوى رقم: 93446.
وهذه الأعمال الحسنة التي لا تفتقر إلى نية التعبد يجد المسلم أثرها في الدنيا وفي الآخرة كذلك، ولو لم ينو التقرب إلى الله بذلك، نظرا لكونها ذات نفع متعد، فإن نوى بها التقرب إلى الله عظم أجره، يقول ابن عثيمين رحمه الله: والنفع المتعدي يعطى الإنسان أجره على ما انتفع به الناس، كالمزارع التي يزرع فيها شجر، فتأكل منها الطير والسباع، رغم أن صاحبها معه البندقية التي يروع بها الطير، لكيلا تأكل إلا نادرا، لكن إذا أكلت منها فله بذلك أجر، فالنفع المتعدي فيه خير حتى لو لم ينو، أرأيت قول الله تعالى: لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ـ وقوله: ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضاة الله فسوف نؤتيه أجرا عظيما {النساء: 114} فجعل الله ـ سبحانه وتعالى ـ الخيرية بهذه الثلاثة مطلقا، ولو لم ينو الإنسان التقرب إلى الله، وأن الأجر العظيم لمن يتقرب بالفعل إلى الله، فالأشياء التي لها نفع متعد لها حال خاصة.
وراجع للمزيد الفتوى رقم: 199407.
والله أعلم.