الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى أن يغفر ذنبك، ويطهر قلبك، ويحصن فرجك، وأن يصرف عنك السوء والفحشاء، وأن يثبتك على صراطه المستقيم.
يقول عز من قائل: مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ {النحل:97}.
قال ابن كثير رحمه الله: هذا وعد من الله تعالى لمن عمل صالحا - وهو العمل المتابع لكتاب الله تعالى، وسنة نبيه من ذكر، أو أنثى من بني آدم، وقلبه مؤمن بالله ورسوله، وإن هذا العمل المأمور به مشروع من عند الله - بأن يحييه الله حياة طيبة في الدنيا، وأن يجزيه بأحسن ما عمله في الدار الآخرة. والحياة الطيبة تشمل وجوه الراحة من أي جهة كانت. وقد روي عن ابن عباس وجماعة أنهم فسروها بالرزق الحلال الطيب. وعن علي بن أبي طالب،- رضي الله عنه- أنه فسرها بالقناعة. وكذا قال ابن عباس، وعكرمة، ووهب بن منبه. وقال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: إنها السعادة. وقال الحسن، ومجاهد، وقتادة: لا يطيب لأحد حياة إلا في الجنة. وقال الضحاك: هي الرزق الحلال، والعبادة في الدنيا، وقال الضحاك أيضا: هي العمل بالطاعة، والانشراح بها. والصحيح أن الحياة الطيبة تشمل هذا كله. اهـ.
فأبشر أيها الأخ الكريم بالسعادة، والحياة الطيبة في الدارين بإذن الله تعالى، ومن أصدق من الله حديثا، ومن أصدق من الله قيلا. ولكن لا تستعجل جني الثمار، فها هو ثابت البناني يحكى عنه أنه قال: كابدت قيام الليل عشرين سنة، وتنعمت به عشرين سنة أخرى. لطائف المعارف.
ويقول ابن القيم رحمه الله: إنما يجد المشقة في ترك المألوفات والعوائد من تركها لغير الله، فأما من تركها صادقا مخلصا من قلبه لله فإنه لا يجد في تركها مشقة إلا في أول وهلة، ليمتحن أصادق هو في تركها أم كاذب، فإن صبر على تلك المشقة قليلا استحالت لذة. قال ابن سيرين: سمعت شريحا يحلف بالله ما ترك عبد لله شيئا فوجد فقده. وقولهم: من ترك لله شيئا عوضه الله خيرا منه، حق. والعوض أنواع مختلفة، وأجل ما يعوض به الأنس بالله ومحبته، وطمأنينة القلب به، وقوته، ونشاطه، وفرحه، ورضاه عن ربه تعالى. اهـ.
فعليك أخي الكريم بمواصلة الصبر، وجهادك لنفسك وللشيطان حتى تجتاز هذه المشقة، وحينها تنتقل إلى السعادة، وانشراح الصدر بإذن الله تعالى، فالتائب يعرض له الحزن في بداية طريقه؛ فإن: نزول منزلته ضروري بحسب الواقع، ولهذا يقول أهل الجنة إذا دخلوها: الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن (فاطر : 34 ) ، فهذا يدل على أنهم كان يصيبهم في الدنيا الحزن كما يصيبهم سائر المصائب التي تجري عليهم بغير اختيارهم. مدارج السالكين.
واعلم أنك مأجور على جهادك هذا بإذن الله تعالى، كما سبق في الفتوى رقم: 3293 ، واستحضارك لذلك مما يشرح صدرك إن شاء الله تعالى.
وانظر لمزيد الفائدة عن أسباب انشراح الصدر الفتوى رقم: 179589 .
وراجع بشأن وسائل تقوية الإيمان الفتويين: 114310، 113955، وما أحيل عليه فيهما.
والله أعلم.