الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فحديث: من أحيا سنتي بعد فساد أمتي، فله أجر مائة شهيد. لم نجده بهذا اللفظ، ولكن ورد الحديث بلفظ: من تمسك بسنتي عند فساد أمتي، فله أجر مائة شهيد. وفي رواية: فله أجر شهيد. رواه الطبراني من حديث أبي هريرة.
وذكر الحديث ابن عدي في كتابه الكامل، ورواه البيهقي في كتابه الزهد الكبير، وذكره الذهبي في كتابه ميزان الاعتدال، وذكره الشيخ الألباني في كتابه: سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة المجلد الأول رقم: (326)، وحكم عليه بأنه ضعيف جدًّا.
أما رواية الإفراد: فذكرها برقم: (327)، وحكم عليه بأنه ضعيف فقط.
والحديث مشتهر على ألسنة بعض الوعاظ والخطباء، فينبغي أن ينبهوا على أنه لا يجوز أن يعزى إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- ما دام لم يثبت بإسناد صحيح، أو حسن.
والحديث الثاني الذي ذكرته، أخرجه البخاري، ومسلم، والنسائي، فالحديث صحيح -والحمد لله-.
أما قولك: هل توجد قاعدة شرعية تؤخذ من الحديث الثاني؟
فنقول: كأنه أشكل عليك إذن النبي -صلى الله عليه وسلم- للمرأة بأن تذهب فتكافئ تلك المرأة التي أسعدتها بالنياحة، فذهبت، ثم رجعت، فبايعت النبي -صلى الله عليه وسلم-، هذا معنى ما جاء في الحديث، وهذه المرأة هي: أم عطية راوية الحديث.
والحديث للعلماء عنه أجوبة، منها: ما قاله الإمام النووي -رحمه الله تعالى-: أن هذا محمول على أن الترخيص لأم عطية في آل فلان خاصة، ولا تجعل النياحة لها ولغيرها في غير آل فلان، كما هو ظاهر الحديث، وللشارع أن يخص من العموم من شاء بما شاء، فهذا صواب الحكم في هذا الحديث. اهـ.
وهذا الذي قاله النووي، ونقله عنه الحافظ ابن حجر في فتح الباري، تعقبه الحافظ بقوله: وفيه نظر، إلا إن ادّعى أن الذين ساعدتهم لم يكونوا أسلموا، وفيه بعد، وإلا فليدع مشاركتهم لها في الخصوصية ….
ومنها: أن النياحة التي أذن فيها النبي -صلى الله عليه وسلم- لأم عطية، هي التي ليس معها شيء من أفعال الجاهلية، كشق جيب، وخمش خد، وهذا المعنى ردّه الإمام النووي، وبيّن بطلانه.
وهناك أقوال أخرى في المسألة نقلها الحافظ ابن حجر في فتح الباري عن العلماء، ورد كثيرًا منها، ثم قال الحافظ في ختام شرحه لهذا الحديث: وظهر من هذا كله أن أقرب الأجوبة أنها كانت مباحة، ثم كرهت كراهة تنزيه، ثم تحريم، والله أعلم. اهـ.
وبهذا يزول الإشكال.
والله أعلم.