الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن العلم بكون نزول البرَد على رأس الإنسان يضره، أو لا يضره يرجع فيه إلى التجربة، وإلى الطب؛ فقد يختلف ذلك باختلاف الأشخاص.
وأما كونه يدل على غضب الله: فلا نعلم دليلًا على ذلك.
أما المطر: فإنه خير، وبركة، ورحمة، وقد استحب أهل العلم كشف المرء عن رأسه، وشيء من جسده عند نزول المطر حتى يصيبه؛ لما رواه مسلم، وغيره، عَنْ أَنَسٍ - رضي الله عنه - قَالَ: أَصَابَنَا مَطَرٌ وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَحَسرَ ثَوْبهُ حَتَّى أَصَابَهُ الْمَطَرُ، فَقِيلَ لَهُ: لِمَ صَنَعْتَ هَذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ: إِنَّهُ حَدِيثُ عَهْدٍ بِرَبِّهِ. قال السيوطي في الديباج على صحيح مسلم: لأنه حديث عهد بربه، أي: بتكوين ربه إياه، والمعنى أن المطر رحمة، وهي قريبة العهد بخلق الله تعالى، فيتبرك بها. وفي شرح بلوغ المرام للشيخ عطية بن محمد سالم: أي أن الله سبحانه وتعالى ساقه برحمة منه، فهو حديث عهد برحمة الله التي رحم بها أهل الأرض.
ومن هنا يتبرك به صلى الله عليه وسلم، فيغمس قدميه فيه، وفي بعض الروايات: رُئيَ المطر ينزل من لحيته. وفي بعضها: حسر عن رأسه، وقال: أصيبوا منه. إلى غير ذلك، حتى قيل بأنه كان يشرب منه، وكان يتوضأ منه، وكان يخرج إلى وادي قناة، وكان أغزر أودية المدينة مطرًا، إلى غير ذلك من الروايات، فلا مانع أن يصيب الإنسان من المطر إذا كان عند نزوله، أو يأتي إلى الوادي، ويغسل يديه، أو رجليه منه، أو يشرب منه، إن طابت له نفسه، إذا كان صافيًا صالحاً للشرب، أو غير ذلك، فكل ذلك تبرك بهذا الماء الجديد؛ لأنه حديث عهد بربه، أي: بأوامره، وبإنزاله، وبإغاثته للعباد برحمة منه سبحانه. اهـ
فلا ندري - بعد كل ما ذكر - من أين سؤخذ دلالة غضب الله على الإنسان إذا أصابه البرد الذي ينزل مع المطر.
والله أعلم.