الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يجوز بيع الثمار قبل بدو صلاحها؛ لورود النهي عن ذلك، فعن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها. رواه البخاري ومسلم. قال ابن المنذر في الإقناع: أجمع أهل العلم على القول بهذا الحديث. اهـ.
وأما حديث ابن عباس: فإنه في نوع خاص من أنواع البيوع، وهو ما يعرف ببيع السلم، وهو بيع في الذمة، بمعنى أن على البائع أن يوفر للمشتري الكمية المتفق عليها من الثمر عند حلول أجل التسليم من أي بستان كان، وليس عقدًا على ثمرة معينة معدومة؛ ولهذا يعتبر السلم مخرجًا من الوقوع في شراء الثمار قبل صلاحها، لكن من أهم شروط صحة السلم: أن يسلم الثمن كاملًا في مجلس العقد، وراجع في ذلك الفتويين: 16075، 120732، وراجع في تعريف عقد السلم وبيان شروطه وأحكامه الفتوى رقم: 11368.
وقد سئل الشيخ محمد بن المختار الشنقيطي هذا السؤال، كما في دروس شرح زاد المستقنع: السؤال: أشكل عليّ بيع السلَم مع بيع الثمرات قبل بدو صلاحها، وبين بيع الرجل ما لا يملك؟
الجواب: هذا إشكال جيد، فقد تقدم معكم أن من باع ثمرةً قبل بدو صلاحها، فإنه لا يصح البيع؛ لأنه لا يأمن فساد الثمر، وبناءً على ذلك يقولون كأنه باع شيئًا غير موجود؛ لأنه اشترى الثمرة، والثمرة أثناء العقد صلاحها مفقود، فكيف صححنا السلم مع أن المبيع مفقود وغير موجود؟
والجواب: أن بيع الثمرة ينصب على معين، وبيع السلم انصب على غير المعين، وهذا الذي ذكرناه: أنه يشترط في السلم أن يكون موصوفًا في الذمة، ومعنى ذلك: أنه لما باع الثمر انصب على معينٍ يفوت بفواته، ولكن في بيع السلم ينصب على غير معين، فهذا الفرق، وبناءً على ذلك إنما يرد الاعتراض أن لو اتفقا في الحكم، بحيث قلنا: يجوز هذا، ويجوز هذا، وهما متفقان أيضًا في الوصف، والواقع أن هذا شيء، وهذا شيء، فلما كان الغرر في بيع الثمرة قبل بدو صلاحها موجبًا للتحريم حرمنا، ولما كان الغرر غير موجب في بيع السلم، أو كان موجودًا ولكنه يسير، وأجاز الشرع أجزناه، والفرق بينهما من هذا الوجه ظاهر. انتهى.
والله أعلم.