الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنوصيك بالبعد عن كثرة الكلام فيما لا ينفع، لأن آفات اللسان كثيرة، وفي كثرة الكلام مخاطرة، وفي الصمت نجاة، قال الغزالي رحمه الله: ويدلك على فضل لزوم الصمت أمر، وهو أن الكلام أربعة أقسام: قسم هو ضرر محض، وقسم هو نفع محض، وقسم فيه ضرر ومنفعة، وقسم ليس فيه ضرر ولا منفعة، أما الذي هو ضرر محض: فلا بد من السكوت عنه، وكذلك ما فيه ضرر ومنفعة لا تفي بالضرر، وأما ما لا منفعة فيه ولا ضرر: فهو فضول، والاشتغال به تضييع زمان وهو عين الخسران، فلا يبقى إلا القسم الرابع، فقد سقط ثلاثة أرباع الكلام وبقي ربع وهذا الربع فيه خطر، إذ يمتزج بما فيه إثم من دقائق الرياء والتصنع والغيبة وتزكية النفس وفضول الكلام امتزاجا يخفى دركه فيكون الإنسان به مخاطراً، ومن عرف دقائق آفات اللسان على ما سنذكره علم قطعاً أن ما ذكره صلى الله عليه وسلم هو فصل الخطاب حيث قال: من صمت نجا. انتهى.
وقد وقعت في بعض المحاذير أثناء مكالمتك مع صديقتك هذه، من ذلك وقوعك في الغيبة، حيث قلت لصديقتك في مقام الرد على تلك المرأة إنك قد حلمت بها حلما غير جيد، وهذا انتقاص لتلك المرأة من طرف خفي، فإن ضابط الغيبة كما في الحديث الصحيح: ذكرك أخاك بما يكره.
وقد ذكر ابن الجوزي ـ رحمه الله ـ في تلبيس إبليس بعض صور الغيبة الخفية التي فيها التعريض دون التصريح، فمن ذلك قوله: فيتصنع بإبداء الرحمة والشفقة عَلَى أخيه، ثم يتصنع بالدعاء لَهُ عند إخوانه ويقول إنما أبديت لكم ذاك لتكثروا دعاءكم لَهُ، ونعوذ بالله من الغيبة تعريضا أَوْ تصريحا، فاتق الغيبة فقد نطق القرآن بكراهتها فَقَالَ عز وجل: أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ ـ وَقَدْ روي عَن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذلك أخبار كثيرة. انتهى.
وراجعي في كيفية التوبة من الغيبة الفتوى رقم: 215656.
ومن تلك المحاذير سوء الظن بالآخرين، فإن التشكيك فيما قالته تلك المرأة من غير بينة يعد من سوء الظن، فقد ذكرت أنها حفظت القرآن، فمن أين لك التشكيك فيها من دون دليل، قال الغزالي رحمه الله: اعْلَمْ أَنَّ سُوءَ الظَّنِّ حَرَامٌ مِثْلُ سُوءِ الْقَوْلِ، فَكَمَا يَحْرُمُ عَلَيْكَ أَنْ تُحَدِّثَ غَيْرَكَ بلسانك بمساوئ الغير فَلَيْسَ لَكَ أَنْ تُحَدِّثَ نَفْسَكَ وَتُسِيءَ الظَّنَّ بِأَخِيكَ، وَلَسْتُ أَعْنِي بِهِ إِلَّا عَقْدَ الْقَلْبِ وحكمه على غيره بالسوء، فَأَمَّا الْخَوَاطِرُ وَحَدِيثُ النَّفْسِ فَهُوَ مَعْفُوٌّ عَنْهُ، بل الشك أيضاً مَعْفُوٌّ عَنْهُ، وَلَكِنَّ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ أَنْ يَظُنَّ، وَالظَّنُّ عِبَارَةٌ عَمَّا تَرْكَنُ إِلَيْهِ النَّفْسُ وَيَمِيلُ إليه القلب، فقد قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إثم ـ وَسَبَبُ تَحْرِيمِهِ أَنَّ أَسْرَارَ الْقُلُوبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا عَلَّامُ الْغُيُوبِ، فَلَيْسَ لَكَ أَنْ تَعْتَقِدَ فِي غَيْرِكَ سُوءًا إِلَّا إِذَا انْكَشَفَ لَكَ بعيان لا يقبل التأويل فعند ذلك لا يمكنك إلا أن تعتقد ما علمته وشاهدته، وما لم تشاهده بعينك ولم تسمعه بأذنك ثم وقع في قلبك فَإِنَّمَا الشَّيْطَانُ يُلْقِيهِ إِلَيْكَ فَيَنْبَغِي أَنْ تُكَذِّبَهُ فَإِنَّهُ أَفْسَقُ الْفُسَّاقِ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة ـ فلا يجوز تصديق إبليس، وإن كان ثم مخيلة تدل على فساد واحتمل خلافه لم يجز أن تصدق به، لأن الفاسق يتصور أن يصدق في خبره، ولكن لا يجوز لك أن تصدق به. انتهى.
وراجعي فيما تشترط له التوبة لمن وقع في سوء الظن الفتوى رقم: 231601.
وللفائدة يرجى مراجعة الفتاوى التالية أرقامها: 19251، 69957، 93424، لمعرفة فضل وأهمية حفظ القرآن الكريم لطالب العلم ولغيره.
والله أعلم.