الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله سبحانه أن يعافيك من الوساوس، وننصحك بالإعراض عنها وعدم الاسترسال معها، فهذا من أهم الوسائل المعينة للتغلب على الوساوس بعد الاستعانة بالله عز وجل، وانظري لمزيد الفائدة الفتويين رقم: 3086، ورقم: 51601. كما تمكنك الاستفادة من مراجعة قسم الاستشارات في الموقع.
أما بخصوص الاستنجاء: فقد ذكر العلماء ضابطا لإجزائه، وهو أن يعود المحل خشنا كما كان، وهذا في حالة الاستنجاء بالماء، وانظري لمزيد الفائدة الفتوى رقم: 132194، وإحالاتها، وقد ذكرنا فيها أن الأصل في ما يتناثر من الماء عند الاستنجاء هو الطهارة، ما لم يكن متغيرا بالنجاسة، فحينئذ يجب تطهير ما أصاب البدن منه.
وهذا على فرض أنك تيقنت إصابة الرذاذ لبدنك، وإلا فلا يلزمك شيء، وذلك لأن الأصل في الأشياء الطهارة، فمهما كان عندك شك ولو قليلا في تطاير النجاسة إلى بدنك فلا تلتفتي إليه، وعلى فرض أنك تيقنت من نجاسة الرذاذ ومن إصابته لبدنك فلا يشترط الدلك لإزالته، وانظري الفتوى رقم: 117787، وما أحيل عليه فيها. ثم إن إزالة الرذاذ أمرها سهل، ولا يحتاج في إزالته إلى صب ماء كثير، إضافة إلى أن من أهل العلم من قال بالعفو عن يسير النجاسات مطلقا، كما سبق في الفتوى رقم: 174267.
وما دمت مصابة بالوسوسة، فلا حرج عليك أن تأخذي بأسهل الأقوال وأرفقها بك، وهو هنا العفو عن يسير النجاسات مطلقا، وليس هذا من تتبع الرخص المذموم، وانظري الفتويين رقم:: 181305، ورقم: 134196. وأما الشك في دخول الماء في القبل: فلا تلتفتي إليه، ما لم تتيقني دخوله إلى باطن الفرج، ثم على فرض دخوله، فلا يلزم الاستنجاء منه إلا إن تيقنت خروجه.
وأما تكلف الضغط والطلوع والنزول وغير ذلك: فلا يلزمك شيء منه، وقد قال ابن القيم: ومن هذا ما يفعله كثير من الموسوسين بعد البول وهو عشرة أشياء: السلت، والنتر، والنحنحة، والمشي، والقفز، والحبل، والتفقد، والوجور، والحشو، والعصابة، والدرجة... قال شيخنا ـ يعني ابن تيمية: وذلك كله وسواس وبدعة. انتهى. ومن أدوية الوسوسة في ذلك نضح اللباس ببعض الماء، وانظري الفتوى رقم: 30720.
وأما بخصوص الغازات أو الريح: فدعي عنك تلك التخيلات بدخول الهواء في القبل، ولا يلزمك الوضوء بمجرد الشك في خروجها، ما لم تتيقني ذلك، لعموم حديث عباد بن تميم المتفق عليه، قال: شكي إلى النبي صلى الله عليه وسلم الرجل يخيل إليه أنه يجد ريحاً فقال: لا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً.
إضافة إلى أنه لا يلزمك الضغط ـ كما ذكرنا ـ ثم إنك مادمت مصابة بالوسوسة، فإنه لا حرج عليك أن تأخذي بأيسر الأقوال كما سبق، وهو هنا عدم نقض الوضوء بخروج الريح من القبل.
وأما الوضوء: فمادمت موسوسة في غسل الوجه، فلا تلتفتي إلى ما تشعرين به من جفاف اليد ما لم تتيقني ذلك، وانظري الفتوى رقم: 240136.
واعلمي أنه لا يلزمك التفتيش عند كل صلاة عن نزول شيء منك ما لم تتحققي من خروجه، وذلك لأن الأصل عدم خروج شيء، فيكفيك العمل بهذا الأصل حتى يحصل اليقين بخلافه، وانظري الفتوى رقم: 171653، وما أحيل عليه فيها.
وكذلك لا يلزمك الوضوء بمجرد الشك في حصول الناقض سواء كان مس الفرج أو غيره، علاوة على أن نقض الوضوء بمس الفرج مسألة خلافية، تعددت فيها أقوال العلماء، فلا حرج عليك في الأخذ بالقول بعدم النقض، لما سبق ذكره في حق الموسوس، علما بأن مس منابت الشعر ـ العانة ـ لا ينقض الوضوء، وراجعي لمزيد الفائدة الفتوى رقم: 236392.
وأما عند الشك في نوع الإفرازات: فلك أن تعتبريها رطوبة فرج طاهرة، لاسيما وأنت تعانين من الوساوس، وانظري الفتوى رقم: 237334، وما أحيل عليه فيها.
وأخيرا بخصوص الوسوسة في مخارج الحروف: فلا حرج عليك أن تأخذي بمذهب المالكية، واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية في عدم اشتراط إسماع القارئ نفسه، وأن الإجزاء يحصل بإخراج الحروف من مخارجها، وتحريك اللسان والشفتين وإن لم يسمع نفسه، وهذا القول قد رجحه من العلماء المعاصرين ابن عثيمين ـ رحمه الله تعالى ـ فاستعيذي بالله تعالى وامضي في قراءتك، وإذا وسوس لك الشيطان أن في نطقك خللا فأعرضي عنه ولا تعيدي شيئا من ذلك، وجماع ما ذكرنا في تلك الفتوى يرتكز على أن اليقين لا يزول بالشك، وأن الأصل في الأشياء الطهارة، وأنه لا حرج على الموسوس في الأخذ بأرفق الآراء الفقهية به، مع أهمية التلهي عن الوساوس وعدم الإلتفات إليها والاستعانة بالله عز وجل في جميع ذلك.
والله أعلم.