الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن هذا الأثر ذكره بعض المفسرين والمحدثين وبعض أصحاب السير بألفاظ متعددة، فقد رواه الطبري وابن أبي حاتم ورواه الحاكم وصححه، وخالفه الذهبي، وذكره ابن كثير وعزاه لابن إسحاق، وذكره الثعلبي والقرطبي في تفسيريهما وذكره السيوطي في الدر المنثور وعزاه لابن مردويه، وذكره ابن حجر في الإصابة وذكر بعض الأسانيد لرواياته، وهي كلها ضعيفة، وقد ذكره السيوطي والكناني في الأحاديث الموضوعة، وضعفه الألباني في ضعيف الترغيب، وقد بحث في شأنه بعض المعاصرين في تحقيقهم لتفسير البغوي ـ وهم: محمد عبد الله النمر، وعثمان جمعة ضميرية، وسليمان مسلم الحرش ـ ومالوا لتحسينه وأنه يتقوى بمجموع طرقه، فقالوا في بعض ألفاظه في شأن إتيانه بالإبل: وهو أن عوف بن مالك الأشجعي أسر المشركون ابنا له يسمى مالكا فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أسر العدو ابني وشكا إليه أيضا الفاقة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: اتق الله واصبر، وأكثر من قول لا حول ولا قوة إلا بالله، ففعل الرجل ذلك فبينما هو في بيته إذ أتاه ابنه وقد غفل عنه العدو، فأصاب إبلا وجاء بها إلى أبيه ـ فقد قالوا في الكلام على هذا اللفظ: خبر حسن أو يشبه الحسن بطرقه وشواهده، ذكره الواحدي في أسباب النزول: 827 ـ والوسيط: 4ـ 313 ـ نقلا عن المفسرين بدون إسناد، وله شاهد عن ابن مسعود ـ وسيأتي ـ وورد أيضا من حديث جابر أخرجه الحاكم: 2ـ 492ـ والواحدي: 828وصححه، وتعقبه الذهبي بقوله: بل منكر، وعباد رافضي جبل، وعبيد متروك، قاله الأزدي ـ وورد من مرسل سالم بن أبي الجعد، أخرجه الطبري: 34288ـ و34289 ـ وإسناده حسن إلى سالم، وورد من مرسل السدي، أخرجه الطبري: 34287 وإسناده لا بأس به، رووه بألفاظ متقاربة، والمعنى متحد، فلعل هذه الروايات تتأيد بمجموعها. اهـ.
وقالوا في لفظ آخر في شأن إتيانه بالغنم وهو ما وروى الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال: فغفل عنه العدو فاستاق غنمهم فجاء بها إلى أبيه، وهي أربعة آلاف شاة، فنزلت: ومن يتق الله يجعل له مخرجا ـ في ابنه ـ أخرجه الثعلبي، كما في تخريج الكشاف: 4ـ 556 ـ من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس: جاء عوف بن مالك الأشجعي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذكره نحوه، ولم يسم الابن، وهذا إسناد واه بمرة، الكلبي متروك متهم، وأبو صالح، ضعفه غير واحد وأخرجه الخطيب في تاريخ بغداد: 9ـ 84 ـ من طريق جويبر عن الضحاك عن ابن عباس، فذكره مطولا، وهذا إسناد واه بمرة، جويبر متروك، والضحاك لم يلق ابن عباس، وورد عن ابن إسحاق معضلا، أخرجه ابن أبي حاتم كما في تفسير ابن كثير: 4ـ 448- 449، وانظر ما بعده، وورد من حديث ابن مسعود، أخرجه البيهقي في الدلائل: 6 ـ 106، ورجاله ثقات لكنه منقطع، أبو عبيدة لم يسمع من أبيه ابن مسعود، وكرره البيهقي: 6ـ 107 عن أبي عبيدة مرسلا، وسنده قوي. الخلاصة: هو حديث حسن أو يقرب من الحسن بمجموع طرقه وشواهده، وأحسن ما روي فيه حديث ابن مسعود، ليس له علة إلا الانقطاع، فهو ضعيف فحسب، وإذا انضم إليه مرسل سالم ومرسل السدي، صار حسنا، كما هو مقرر في هذا الفن لكن في المتن بعض الاضطراب، لذا قلت: هو حسن أو يشبه الحسن، والله أعلم. اهـ.
والله أعلم.