الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد جاء الشرع الحنيف بالحث، والتأكيد على تعظيم حرمات الله، قال تعالى: وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ {الحج:30}، وقال: وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ {الحج:32}، وقد منع العلماء مخالفة الرسم العثماني، بل ومنع كثير منهم أن تجعل في المصاحف إشارات الأجزاء، والأعشار، ونحو ذلك... جاء في تاريخ القرآن الكريم لمحمد طاهر بن عبد القادر الخطاط: ... وسئل مالك - رحمه الله تعالى - هل يكتب المصحف على ما أحدثه الناس من الهجاء؟
فقال: لا، إلا على الكتبة الأولى. رواه الداني في المقنع، ثم قال: ولا مخالف له من علماء الأمة، وقال في موضع آخر: سئل مالك عن الحروف في القرآن، مثل الواو، والألف: أترى أن تغير في المصحف إن وجد فيه كذلك، قال: لا، قال أبو عمر: ويعني الواو والألف المزيدتين في الرسم، المعدومتين في اللفظ، نحو: أولو، وفي رواية: قال أشهب: سئل مالك فقيل له: أرأيت من استكتب مصحفًا أترى أن يكتب على ما أحدثه الناس من الهجاء اليوم، قال: لا أرى ذلك، ولكن يكتب على الكتبة الأولى، قال الداني في المحكم: ولا مخالف لمالك في ذلك من علماء الأمة؛ لأن ما روي عنه هو مذهب باقي الأئمة، ومستند الأئمة الأربعة هو مستند الخلفاء الأربعة، وقال الإمام أحمد - رحمه الله تعالى -: تحرم مخالفة خط مصحف عثمان في واو، أو ياء، أو ألف، أو غير ذلك، ونقل الجعبري، وغيره إجماع الأئمة الأربعة على وجوب اتباع هذا المرسوم، قال القرطبي في أوائل تفسيره: وقال أشهب: سمعت مالكًا وسئل عن العشور التي تكون في المصحف بالحمرة، وغيرها من الألوان، فكره ذلك، وقال: تعشير المصحف بالحبر لا بأس به، وسئل عن المصاحف يكتب فيها خواتم السور في كل سورة ما فيها من آية، قال: إني أكره ذلك في أمهات المصاحف أن يكتب فيها شيء، أو يشكل، فأما ما يتعلم به من الغلمان من المصاحف، فلا أرى بذلك بأسًا... اهـ.
فإذا كان الحال على هذا القدر عند علماء الأمة لم يبق شك في أن نشر القرآن مع احتمال وجود أخطاء فيه لا يجوز، ومن ثم فلا بد للمرء إذا أراد نشر شيء من القرآن أن يعتني بتصحيحه، ويتأكد من صحته، وذلك ميسور - بحمد الله - لكثرة توفر المصاحف المطبوعة، والمصاحف التي على الأقراص، وبرامج الكمبيوتر.
وإن كان قصدك نشره مسجلًا بالصوت: فإنه كذلك لا يجوز نشره إلا بعد التأكد من صحته، وذلك ميسور - بحمد الله - كما ذكرنا.
والحاصل أنه لا يجوز لك الإقدام على نشر ما تشك في صحته من القرآن الكريم، سواء كان ذلك بالصوت أم الكتابة.
والله أعلم.