الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى أن يغفر لك ذنبك، وأن يلهمك رشدك، وأن يقيك شر نفسك، وأما ما تسأل عنه، أو بالأحرى ما تشكو منه فليس سببه الجهل لتسأل عن علاجه، فإنك ذكرت ما ينبغي عليك فعله وتركه! وإنما الآفة في عدم الثبات، وضعف العزيمة وقلة الصبر!!! وبداية الطريق: أن تعرف قدر نفسك، وتقدر ربك حق قدره، فتعرف نفسك بالضعف والعجز والذلة، وتعرف ربك بالقوة والقدرة والعزة، فتصدق في التوكل عليه، والإنابة إليه، والاستعانة به، وحسن الظن فيه وأول ما يترجم ذلك أن تلح في الدعاء وتتضرع في المسألة، ولا تستعجل الإجابة، وعليك بهذه الكلمات المباركات، فعن شداد بن أوس قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا شداد بن أوسٍ! إذا رأيت الناس قد اكتنزوا الذهب والفضة، فأكثر هؤلاء الكلمات: اللهم! إني أسألك الثبات في الأمرِ، والعزيمة على الرُّشد، وأسألك موجبات رحمتك، وعزائم مغفرتك، وأسألك شكر نعمتِك، وحسن عبادتك، وأسألك قلباً سليماً، ولساناً صادقاً، وأسألك من خير ما تعلم، وأعوذُ بك من شرِّ ما تعلم، وأستغفرُك لما تعلمُ، إنك أنت علامُ الغيوب. رواه الطبراني وغيره، وصححه الألباني بطرقه الصحيحة: 3228.
والسر في مطلع هذا الدعاء أن المرء قد يعرف ما يضره فيأتيه، ويدرك ما ينفعه فيتركه، ويعلم ما يصلحه فيخالفه، ولهذا يحتاج إلى الثبات والعزيمة حتى يفلح، قال المناوي في فيض القدير: قال الطيبي: العزيمة عقد القلب على إمضاء الأمر ـ وقال غيره: العزيمة القصد الجازم المتصل بالفعل، وقيل: استجماع قوى الإرادة على الفعل، والمكلف قد يعرف الرشد ولا عزم له عليه، فلذلك سأله. اهـ.
وقال ابن القيم في عدة الصابرين: الدين مداره على أصلين: العزم، والثبات، وهما الأصلان المذكوران في الحديث الذي رواه أحمد والنسائي عن النبي: اللهم إني أسألك الثبات في الأمر والعزيمة على الرشد ـ وأصل الشكر صحة العزيمة، وأصل الصبر قوة الثبات، فمتى أيد العبد بعزيمة وثبات فقد أيد بالمعونة والتوفيق. اهـ.
وقال في طريق الهجرتين: الصبر سبب في حصول كل كمال، فأكمل الخلق أصبرهم، ولم يتخلف عن أحد كماله الممكن إلا من ضعف صبره، فإن كمال العبد بالعزيمة والثبات، فمن لم يكن له عزيمة، فهو ناقص، ومن كانت له عزيمة ولكن لا ثبات له عليها، فهو ناقص، فإذا انضم الثبات إلى العزيمة أثمر كل مقام شريف وحال كامل، ولهذا في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم الذي رواه الإمام أحمد وابن حبان في صحيحه: اللهم إني أسألك الثبات في الأمر، والعزيمة على الرشد ـ ومعلوم أن شجرة الثبات والعزيمة لا تقوم إلا على ساق الصبر. اهـ.
وهذا هو مفتاح علاج شكوى السائل، فهو لا يحتاج إلى من يرشده، بقدر ما يحتاج إلى المجاهدة والصبر والمصابرة والمرابطة لينال الفلاح والهداية، كما قال عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ {آل عمران: 200}.
وقال تعالى: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ {العنكبوت: 69}.
وقال سبحانه: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ {محمد: 31}.
وأما أمراض القلوب التي ذكرتها من العجب والغرور والكبر ونحو ذلك، فراجع في علاجها الفتوى رقم: 113895، وما أحيل عليه فيها.
وراجع في كيفية علاج الحسد والعين الفتاوى التالية أرقامها: 3273، 48991، 24972.
وراجع في الأمن من مكر الله وكيفية الحذر منه، الفتويين رقم: 137633، ورقم: 122280.
وراجع للأهمية ما أحيل عليه في الفتوى رقم: 114310.
والله أعلم.