الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فليس عندنا ما يجزم به في هذا الأمر، ولا ما يفيد صدقه، ولكن بعض السحرة قد يستعين ببعض الجان في السحر، فربما ينقل الجني شيئا من مكان إلى مكان آخر، ولكن نقل المقابر أمر مستبعد.
وأما عن تصديق هذا، فليس من تصديق السحرة المخالف للعقيدة؛ لأن تصديق الساحر الذي بين ابن مسعود خطره في قوله: من أتى ساحراً، أو كاهنا، أو عرافاً فصدقه بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم. وكذا في الحديث: ثلاثة لا يدخلون الجنة: مدمن خمر، وقاطع رحم، ومصدق بالسحر. رواه الإمام أحمد وابن حبان في صحيحه والحاكم، وصححه الحاكم وأقره الذهبي. إنما يحمل على تصديقه فيما يدعيه من الاطلاع على الغيب؛ لأن المؤمن يوقن أنه لا يعلم الغيب إلا الله؛ لقول الله تعالى: عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا* إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ {الجن:27}، وقوله تعالى: قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ {النمل:65}، وقوله تعالى: وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ {آل عمران:179}، فمن صدقه في خبره عن الغيب، فقد كفر بالآيات المنزلة في هذا المجال.
وأما تصديقه في مسائل، وأحداث يحتمل حصولها، فلا يدخل في هذا.
قال الخطابي: فالحديث يشتمل على النهي عن إتيان هؤلاء كلهم، والرجوع إلى قولهم، وتصديقهم على ما يدعونه من هذه الأمور. اهـ.
ويدل لجواز تصديق الساحر فيما أخبر بحصوله من دون ادعاء للغيب، ما جاء عن عائشة، رضي الله عنها: أنها دبرت جارية لها, فسحرتها, فاعترفت بالسحر, فأمرت بها عائشة ـ رضي الله عنها ـ أن تباع من الأعراب ممن يسيء مملكتها, فبيعت.
وما جاء عن ابن عمر: أن حفصة بنت عمر ـ رضي الله عنهما ـ سحرتها جارية لها، فأقرت بالسحر، وأخرجته، فقتلتها.
أخرجهما البيهقي.
والله أعلم.