الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الأصل في كل من نطق شهادة التوحيد هو المؤاخاة، والمحبة الإيمانية، والإحسان إليه، واحترامه، والتواضع له ما لم يجاهر بالمعاصي، فيبغض بقدر معصيته.
وأما المنافقون فلسنا مكلفين بمعرفة حالهم، فإن النبي صلى الله عليه وسلم توفي وترك المنافقين يعاشرون المسلمين، ولم يوضح أسماءهم لعامة الناس، وإنما أسر بهم إلى حذيفة رضي الله عنه. وراجع للمزيد من الفائدة عن النفاق وأقسامه، وما يتعلق به الفتوى رقم: 71083، وما أحيل عليه فيها.
وأما التذلل لهم، فيكون بالتواضع، والرحمة لهم، وعدم التعالي والتكبر، والشدة عليهم؛ كما قال الله تعالى: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا {الفتح:29}.
قال السعدي في تفسيره لتلك الآية: يخبر تعالى عن رسوله صلى الله عليه وسلم، وأصحابه من المهاجرين والأنصار، أنهم بأكمل الصفات، وأجل الأحوال، وأنهم {أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ} أي: جادون، ومجتهدون في عداوتهم، وساعون في ذلك بغاية جهدهم، فلم يروا منهم إلا الغلظة والشدة، فلذلك ذل أعداؤهم لهم، وانكسروا، وقهرهم المسلمون. {رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} أي: متحابون، متراحمون، متعاطفون، كالجسد الواحد، يحب أحدهم لأخيه ما يحب لنفسه، هذه معاملتهم مع الخلق. انتهى.
وقد سبق لنا بيان أن استعمال الرفق واللين هو الأصل عند المسلم، ولا ينتقل عنه إلا إذا احتاج المقام إليه؛ فيتعامل مع الكفار بالشدة عليهم في وقتها المناسب كما في حال الحرب وما أشبه ذلك؛ لقول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ قَاتِلُواْ الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الْكُفَّارِ وَلِيَجِدُواْ فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ {التوبة:123}، ولقوله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ {التوبة:73}، وكان صلى الله عليه وسلم يشتد عليهم عند الحاجة عملاً بما شرع له في ذلك، كقوله تعالى: قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ {الزمر:64}، ومن ذلك قول الرسول لقريش: إنما جئتكم بالذبح. وقول أبي بكر لعروة بن مسعود: امصص بظر اللات. رواهما أحمد وحسنهما الأرناؤوط.
وأما إن لم يكونوا مقاتلين بأن كانوا معاهدين، فالأصل هو البر والإحسان إليهم؛ لقول الله تعالى: لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ {الممتحنة:8}، ومن البر طلاقة الوجه، ولين الكلام، كما روى البيهقي وابن أبي الدنيا عن ابن عمر أنه قال: البر شيء هين: وجه طليق، وكلام لين.
وراجع في تفصيل ذلك الفتوى رقم: 198373
والله أعلم.