الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأما يسير المذي -كالقطرة، ونحوها- فالراجح العفو عن يسيره، قال ابن قاسم في الإحكام: ويعفى عن يسير المذي، جزم به الموفق، وغيره، وصححه الشيخ، وغيره، خصوصًا في حق الشباب؛ لكثرة خروجه، فيشق التحرز منه، فعفي عن يسيره، كالدم، ونحوه، قال: وهو أولى بالتخفيف من بول الغلام، ومن أسفل الحذاء، وفي حديث علي في المذي: وتأخذ كفًا من ماء، فتنضح به ثوبك ـ واختار هو، وغير واحد من أهل العلم العفو عن يسير النجاسات مطلقًا في الأطعمة، وغيرها.
وقد ناقشنا في الفتوى رقم: 17221، خلاف الفقهاء في حكم يسير البول، ونحوه، وهل يُعفى عنه أم لا؟ ورجحنا أن الأصل عدم العفو عن يسير البول، إلا مع المشقة الشديدة، وذكرنا حلاً لمن كان في مثل حالك، وهو أن يضع على ذكره خرقة، ونحو ذلك، ويربطها لمدة يغلب على ظنه فيها انقطاع النازل، ثم ينزعها لئلا تلوث النجاسة ثوبه، أو بدنه، فإن لم يفعل وأصابت النجاسة ثوبه، لزمه غسل موضع النجاسة إن علمه، وإلا لزمه غسل الثوب كاملاً.
وعليه، فإذا تبينت خروج قطرات بول، فقد وجب تطهير الثوب ـ كما سبق ـ ولا يكون الحياء من الناس عذرًا في ترك الغسل، فعَنْ عَائِشَةَ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ـ أَنَّهَا قَالَتْ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِذَا أَحْدَثَ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ، فَلْيَأْخُذْ بِأَنْفِهِ، ثُمَّ لِيَنْصَرِفْ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وغيره.
قَالَ الطِّيبِيُّ:... وَلَيْسَ هَذَا مِنَ الْكَذِبِ، بَلْ مِنَ الْمَعَارِيضِ بِالْفِعْلِ، وَرُخِّصَ لَهُ فِي ذَلِكَ؛ لِئَلَّا يُسَوِّلَ لَهُ الشَّيْطَانُ عَدَمَ الْمُضِيِّ اسْتِحْيَاءً مِنَ النَّاسِ.
وفي الجملة: فلا تسقط الواجبات الشرعية بذلك، فإن إزالة النجاسة من البدن، والثوب أمر واجب للصلاة، كما بينا في الفتوى رقم: 6115.
وراجع للفائدة الفتويين رقم: 16928، ورقم: 235189.
وأما إذا كنت في حال لا تتمكن من تطهير الثوب إلا بكشف العورة بحضرة من لا يجوز له النظر إليها، بحيث لا تجد حيلة، ولا مندوحة عن ذلك، فلا يجوز لك كشفها، وتجب عليك الصلاة في وقتها، وليس لك أن تؤخر الصلاة عن وقتها، وصلاتك صحيحة ليس عليها إعادتها، وراجع الفتويين رقم: 79230، ورقم: 132697.
والله أعلم.