الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمجرد كبر سن الرجل لا يغير من حدود المعاملة الشرعية بين الجنسين، بل لا بد من أمن الفتنة، وانتفاء شهوة كل من الطرفين للآخر؛ لأن المرأة تشتهي الرجل كما يشتهيها، فإذا تحقق ذلك فلا بأس بالحديث معه بأدب في مباح الكلام، ونظر كل منهما للآخر - كالمحارم - دون المصافحة، واللمس.
أما النظر، فقد جاء في الموسوعة الفقهية: ومن ذهبت شهوته من الرجال لكبر، أو عنة، أو مرض لا يرجى برؤه، والخصي، والشيخ، والمخنث الذي لا شهوة له، فحكمه حكم ذوي المحارم في النظر؛ لقوله تعالى: {أو التابعين غير أولي الإربة}، وعند الشافعية حكمه حكم الأجنبي؛ إذ يحرم عليه النظر حتى إلى الوجه والكفين عند خوف الفتنة. اهـ.
وأما الحديث بأدب في مباح الكلام، فهو دون النظر في الفتنة، ومن ثم فإذا قلنا بجواز النظر، فإن الحديث يجوز من باب أولى؛ وقد أجاز عامة الفقهاء سماع صوت المرأة إذا أمنت الفتنة، ولم تخضع بالقول، قال الغزالي في الإحياء: وصوت المرأة في غير الغناء ليس بعورة، فلم تزل النساء في زمن الصحابة - رضي الله عنهم - يكلمن الرجال في السلام، والاستفتاء، والسؤال، والمشاورة، وغير ذلك. اهـ.
وأما اللمس، فالفتنة به أشدّ من النظر، فلا يحلّ لغير حاجة، مع أمن الفتنة، وهو ما قررناه بأدلته في الفتوى: 21728، وذهب بعض أهل العلم إلى جواز مصافحة العجوز التي لا تشتهى، وراجعي الفتوى رقم: 164417، بعنوان: مذاهب الأئمة في مصافحة المرأة الأجنبية.
وأما مع عدم أمن الفتنة، واحتمال وجود الشهوة، فإن الحدود تبقى على ما كانت، فإنه وإن ضعف الداعي عادة فإن مظنة الافتتان قائمة.
والله أعلم.