الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ذهب الجمهور الى حرمة أكل كل ذي ناب من السباع، وكل ذي مخلب من الطير، وهو الصحيح إلا ما استثني كالضبع؛ لأن حديث مسلم الدال على تحريمها رواه أبو هريرة وقد كان إسلامه متأخراً، والآية مكية كما هو معروف، فهو إذن متأخر عنها، ويعتبر مخصصا لها لأن كلمة " محرما " الواردة في قول الله تعالى: قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ {الأنعام: 145}. نكرة في سياق النفي وهي من صيغ العموم، فجاء الحديث مخصصا لهذا العموم ببيان محرمات أخرى .
وقد ذكر ابن كثير والقرطبي والشوكاني وابن حجر أن آية الأنعام ليس عليها الاعتماد في التحريم والتحليل لأنها مكية، وقد نزلت ردا على ما حرمه العرب من تلقاء أنفسهم ، وقد نزل بعد هذه الآية بالمدينة التصريح بتحريم أشياء أخرى، وصرحت الأحاديث بتحريم بعض الأشياء منها: تحريم كل ذي ناب من السباع، وذي مخلب من الطير، وتحريم الخبائث، وقد نهى صلى الله عليه وسلم عن قتل بعض الأشياء، وأمر بقتل بعضها، فاستنبط أهل العلم تحريم تلك الأشياء.
قال القرطبي في تفسيره للآية المذكورة: وقد اختلفت الرواية عن مالك في لحوم السباع والحمير والبغال. فقال مرة: هي محرمة، لما ورد من نهيه عليه السلام عن ذلك، وهو الصحيح من قوله على ما في الموطأ . وقال مرة: هي مكروهة، وهو ظاهر المدونة لظاهر الآية ، ولما روي عن ابن عباس وابن عمر وعائشة من إباحة أكلها، وهو قول الأوزاعي.
وقال النووي في شرح مسلم: والجمهور على أنه يحرم أكل كل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير، وقال مالك: يكره ولا يحرم.. واحتج بقوله تعالى: قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ.. الآية. والآية ليس فيها إلا الإخبار بأنه لم يجد في ذلك الوقت محرما إلا المذكورات في الآية، ثم أوحي إليه بتحريم كل ذي ناب من السباع، فوجب قبوله والعمل به. اهـ
والله أعلم.