الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالذي يغلب على الظن من حال هذا المال أن صاحبه أراد تمليكه لهذه المرأة؛ ويسعها حينئذ أن تتملكه، وتتموله دون أن تعرفه، وإن كان الأورع أن تعامله معاملة اللقطة، أو المال الضائع الذي لا يُعرف صاحبه، كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 95389.
وإنما قلنا بجواز تملكه لدلالة قرائن الحال، وقد ذكر المرداوي في باب اللقطة من الإنصاف فوائد، منها: لو استيقظ فوجد في ثوبه دراهم، لا يعلم من صرها، فهي له، ولا تعريف. وللإمام أحمد - رحمه الله -: نص يوجب التعريف وينفي الملك .. اهـ.
وقال الحجاوي في الإقناع: ولو استيقظ نائم فوجد في ثوبه مالًا لا يدري من صره، فهو له، ولا تعريف. اهـ.
وعلل ذلك البهوتي في كشاف القناع بقوله: لأن قرينة الحال تقتضي تمليكه له. اهـ. وكذا الرحيباني في مطالب أولي النهى.
وعلى ذلك، فإن أرادت هذه المرأة أن تأخذ هذا المال لنفسها فلا حرج عليها، وإن أرادت أن تضعه في بناء مسجد، أو تتصدق به على الفقراء، ونحوهم، فذاك إليها.
وأما مسألة التحليف: فهذا مما لا حرج فيه، طالما وجدت التهمة، قال ابن رشد: الأظهر أن تلحق اليمين إذا قويت التهمة، وتسقط إذا ضعفت. اهـ. كما نقل عنه المواق في التاج والإكليل.
وجاء في الموسوعة الفقهية: يُحلَّف المودع، والوكيل، والمضارب، وكل من يصدق قوله، على تلف ما اؤتمن عليه، إذا قامت قرينة على خيانته، كخفاء سبب التلف ونحوه. اهـ.
وفيها أيضًا: يجري التحليف للفصل في الخصومات، وإنهاء النزاع في الدعاوى، وثبت بفعل النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: للمدعى عليه: احلف بالله الذي لا إله إلا هو، ما له عندك شيء، وقوله صلى الله عليه وسلم للأشعث بن قيس: بينتك، وإلا فيمينه. اهـ.
وفيها أيضًا: حقوق العباد تنقسم إلى قسمين: أحدهما: ما هو مال، أو المقصود منه مال، فهذا تشرع فيه اليمين بلا خلاف بين أهل العلم، فإذا لم تكن بينة للمدعي حلف المدعى عليه وبرئ، وقد ثبت هذا في قصة الحضرمي والكندي اللذين اختلفا في الأرض. اهـ.
والله أعلم.