الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالقرآن الكريم كله حسن وليس فيه شيء غير حسن، ومعنى الآيتين المشار إليهما: اتبعوا القرآن بامتثال أحسن ما بين لكم، واجتناب السيئ الذي بين لكم، قال أهل التفسير: وليس معناه أن بعض القرآن أحسن من بعض، لأنه حسن كله، وإنما المعنى أن يتبعوا بأعمالهم ما فيه من الأوامر، ويجتنبوا ما فيه من النواهي، فالتفضيل الذي يقتضيه أحسن إنما هو في الاتباع، فلا يسلكوا الطريق السيئ، وهو طريق الغفلة والمعصية فيقعوا تحت الوعيد.. أو المعنى: اتبعوا طريق الْعَفْو، فهو أَحْسَنُ مِنَ الِاقْتِصَاصِ، وَالصَّبْر، فهو أحسن مِنَ الِانْتِصَارِ.. فهذه المعاني وما أشبهها هي المقصودة ب: أَحْسَنَ ـ في الآيتين. اهـ بتصرف من تفسير ابن جزي.
وقال الطبري: وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ ـ يقول تعالى ذكره: واتبعوا أيها الناس ما أمركم به ربكم في تنزيله، واجتنبوا ما نهاكم فيه عنه، وذلك هو أحسن ما أنزل إلينا من ربنا، فإن قال قائل: ومن القرآن شيء وهو أحسن من شيء؟ قيل له: القرآن كله حسن، وليس معنى ذلك ما توهمتَ، وإنما معناه: واتبعوا مما أنزل إليكم ربكم من الأمر والنهي والخبر، والمثل، والقصص، والجدل، والوعد، والوعيد أحسنه أن تأتمروا لأمره، وتنتهوا عما نهى عنه، لأن النهي مما أنزل في الكتاب، فلو عملوا بما نهوا عنه كانوا عاملين بأقبحه، فذلك وجهه.
وقال ابن عطية: وقوله تعالى: وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ ـ معناه: أن القرآن العزيز تضمن عقائد نيرة، وأوامر ونواهي منجية، وعدات على الطاعات والبر، وحدودا على المعاصي ووعيدا على بعضها، فالأحسن أن يسلك الإنسان طريق التفهم والتحصيل، وطريق الطاعة والانتهاء والعفو في الأمور ونحو ذلك، فهو أحسن من أن يسلك طريق الغفلة والمعصية فيجد أو يقع تحت الوعيد، فهذا المعنى هو المقصود بـ: أَحْسَنَ، وليس المعنى أن بعض القرآن أحسن من بعض من حيث هو قرآن، وإنما هو أحسن كله بالإضافة إلى أفعال الإنسان وما يلقى من عواقبها، قال السدي: الأحسن هو ما أمر الله تعالى به في كتابه.
وقال الخازن: ومعنى الآية على ما قاله الحسن الزموا طاعة الله واجتنبوا معصيته، فإنه أنزل في القرآن ذكر القبيح ليجتنب، وذكر الأدون لئلا يرغب فيه، وذكر الأحسن لتؤثره وتأخذ به.
وفي تفسير البغوي عند قوله تعالى: الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه ـ قال السدي: أحسن ما يؤمرون فيعملون به، وقيل: هو أن الله تعالى ذكر في القرآن الانتصار من الظالم وذكر العفو، والعفو أحسن الأمرين، وقيل: ذكر العزائم والرخص فيتبعون الأحسن وهو العزائم، وقيل: يستمعون القرآن وغير القرآن فيتبعون القرآن. اهـ.
والله أعلم.