الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله جل في علاه أن يبارك لك في شبابك بطاعته، وأن يرزقك بر والديك، والزوجة الصالحة، فإذا خشي الشاب على نفسه الوقوع في الحرام إذا لم يتزوج، فإنه يجب عليه الزواج، وهو قول عامة الفقهاء في هذه الحالة، قال الموفق في المغني: فَصْلٌ: وَالنَّاسُ فِي النِّكَاحِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ، مِنْهُمْ مَنْ يَخَافُ عَلَى نَفْسِهِ الْوُقُوعَ فِي مَحْظُورٍ إنْ تَرَكَ النِّكَاحَ، فَهَذَا يَجِبُ عَلَيْهِ النِّكَاحُ فِي قَوْلِ عَامَّةِ الْفُقَهَاءِ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ إعْفَافُ نَفْسِهِ، وَصَوْنُهَا عَنْ الْحَرَامِ، وَطَرِيقُهُ النِّكَاحُ.
ولا يشترط إذن أبي الزوج لصحة العقد، ولا تجب طاعته في هذه الحالة؛ لقول النبيّ صلى الله عليه وسلم: إنما الطاعة في المعروف. متفق عليه.
وقال ابن مفلح في الآداب الشرعية والمنح المرعية: وَقَالَ الإمام أحمد فِي رِوَايَةِ الْمَرُّوذِيِّ: إنْ كَانَ الرَّجُلُ يَخَافُ عَلَى نَفْسِهِ، وَوَالِدَاهُ يَمْنَعَانِهِ مِنْ التَّزَوُّجِ، فَلَيْسَ لَهُمْ ذَلِكَ.
وننصحك هنا بأن تخفي عن والدك أمر نكاحك إذا يئست من موافقته، وأمكن إخفاؤه، وفي كل الأحوال يجب أن تحافظ على بره، فاجتهد في ذلك، واسترضه ما أمكن استرضاؤه... ثم إنه لا يجوز لك أن تنكح امرأة بكرًا أو ثيبًا إلا بإذن وليّها؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل. رواه ابن حبان في صحيحه عن عائشة، وقال: ولا يصح في ذكر الشاهدين غير هذا الخبر، وصححه ابن حزم، ورواه البيهقي، والدراقطني.
ولقوله صلى الله عليه وسلم: أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها، فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فإن دخل بها فلها المهر بما استحل من فرجها، فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له. رواه الترمذي، وحسنه، وصححه ابن حبان، والألباني.
ولقوله صلى الله عليه وسلم: لا تزوج المرأة المرأة، ولا تزوج المرأة نفسها. رواه ابن ماجه، وصححه الألباني.
فهذه أحاديث صحاح فصاح صراح في اشتراط الولي لصحة عقد النكاح، وإلى هذا ذهب جماهير أهل العلم من السلف والخلف، منهم: مالك، والشافعي، وأحمد، وهو الحق الذي لا يعدل عنه بحال، ويروى أيضاً عن عمر، وعلي، وابن عباس، وأبي هريرة، وغيرهم ـ رضي الله عنهم أجمعين ـ والخلاف الفقهي ليس مسوغًا لمخالفة الأدلة الصريحة الصحيحة التي عملت جماهير الأمة بموجبها، ومخالفة أمر النبيّ صلى الله عليه وسلم هو الفتنة بعينها، كما قال الله تعالى: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ {النور:63}.
وأما ما ذكرت أنك قرأته من أن هذا ممكن عند الحنفية، فهو صحيح، ولكنه خلاف ما نفتي به، ولكنه إذا وقع بالفعل وأمضاه قاض شرعي يرى صحته، أو كان العاقد ممن يرى رجحان مذهب الحنفية في هذا، فإنه حينئذ يعد صحيحًا، والخلاصة أنك إذا كنت على الحال التي ذكرت فإنه يجوز لك أن تتزوج دون إذن والدك، ولكن لا بد من حضور ولي المرأة، أو من ينوب عنه عقد نكاحها.
والله أعلم.