الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالفلسفة تقوم على الخوض في الغيبيات، وتحكيم العقل في الإلهيات، والنبوات، وبسبب ذلك انحرف الفلاسفة في هذه العقائد انحرافات خطيرة، حتى قالوا: بقدم العالم، ونفي المعاد، ولهذا، فإن السلف قد حذروا من الخوض في الفلسفة وعلم الكلام، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الأصفهانية: كتب الفلسفة الباطل غالب عليها، بل الكفر الصريح كثير فيها. اهـ.
ويستثنى من ذلك من درسها لنقدها ونقضها، من أهل العلم المؤهلين لذلك؛ برسوخهم في علوم الشريعة، وإصابتهم في منهج التلقي والاستدلال، وهذه مرتبة عالية يشق الوصول إليها على أغلب طلاب العلم، فضلًا عن غيرهم؛ ولذلك كان الأصل هو الحذر من دراسة هذه العلوم، كما سبق التنبيه عليه في الفتويين رقم: 130565، ورقم: 158981.
قال الغزالي في الإحياء: العلم لا يذم لعينه، وإنما يذم في حق العباد لأحد أسباب ثلاثة:
الأول: أن يكون مؤديًا إلى ضرر ما، إما لصاحبه، أو لغيره، كما يذم علم السحر والطلسمات.
الثاني: أن يكون مضرًّا بصاحبه في غالب الأمر، كعلم النجوم.
الثالث: الخوض في علم لا يستفيد الخائض فيه فائدة علم، فهو مذموم في حقه، كتعلم دقيق العلوم قبل جليلها، وخفيها قبل جليها، وكالبحث عن الأسرار الإلهية؛ إذ يطلع الفلاسفة والمتكلمون إليها، ولم يستقلوا بها، ولم يستقل بها وبالوقوف على طرق بعضها إلا الأنبياء والأولياء، فيجب كف الناس عن البحث عنها، وردهم إلى ما نطق به الشرع، ففي ذلك مقنع للموفق، فكم من شخص خاض في العلوم، واستضر بها، ولو لم يخض فيها لكان حاله أحسن في الدين مما صار إليه... فلا تكن بحاثًا عن علوم ذمها الشرع، وزجر عنها، ولازم الاقتداء بالصحابة ـ رضي الله عنهم ـ واقتصر على اتباع السنة، فالسلامة في الاتباع، والخطر في البحث عن الأشياء والاستقلال، ولا تكثر اللجج برأيك، ومعقولك، ودليلك، وبرهانك. اهـ.
وأما الكتابة وتأليف الروايات: فحكمها بحسب محتواها، كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 47548.
ولمزيد الفائدة يمكن الاطلاع على الفتوى رقم: 13278.
وبخصوص الروايات الفلسفية: فإنها بالفعل يخشى أن تكون سببًا في فتنة أحد، أو تشككه وحيرته! فقد تقع الشبه في قلب إنسان، ثم لا يتيسر له بعد ذلك دفعها، هذا مع جزمنا بأن طرق المحاجة والإقناع المستفادة من الوحي كتابًا وسنة، هي أقرب الطرق، وأيسرها، وأنفعها، وأرفعها، وراجع للفائدة الفتويين رقم: 212086، ورقم: 134439.
والله أعلم.