الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فيجب على البنت مناصرة أبويها كليهما: الظالم منهما والمظلوم كل بحسبه ، كما قال النبيّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ :" انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا ". قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، هَذَا نَنْصُرُهُ مَظْلُومًا، فَكَيْفَ نَنْصُرُهُ ظَالِمًا؟ قَالَ: " تَمْنَعُهُ مِنَ الظُّلْمِ " رواه أحمد واللفظ له والبخاري. ومنع الأب من الظلم يكون بأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر بالأسلوب الشرعي ، ففي الموسوعة الفقهية :"أجمع الفقهاء على أن للولد الاحتساب عليهما، لأن النصوص الواردة في الأمر والنهي مطلقة تشمل الوالدين وغيرهما، ولأن الأمر والنهي لمنفعة المأمور والمنهي، والأب والأم أحق أن يوصل الولد إليهما المنفعة ".
والجري على الأسلوب الشرعي يكون بمراعاة أمرين اثنين:
1ـ ألا يؤدي الإنكار عليه إلى قطيعة رحمه؛ لأن ذلك من العقوق المحرم وهو من الكبائر؛ فإن الله أمر ببرهما مشركين ، والشرك أعظم المعاصي ، فكيف بما دونه من الذنوب ، قال تعالى : وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا {لقمان:15} . قال الشيخ السعدي في تفسيره التيسير في هذه الآية :"ولم يقل: "وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فعقهما" بل قال: {فَلا تُطِعْهُمَا} أي: بالشرك، وأما برهما، فاستمر عليه، ولهذا قال: {وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} أي: صحبة إحسان إليهما بالمعروف، وأما اتباعهما وهما بحالة الكفر والمعاصي، فلا تتبعهما." اهـ
وهجر الوالد من قطع رحمه ، لأن عدم الهجر أدنى مراتب الصلة كما ، قال القاضي عياض ـ فيما نقله عنه العيني في شرحه على البخاري ـ " وللصلة درجات بعضها أرفع من بعض وأدناها ترك المهاجرة ". وقطعية الوالد من أكبر الكبائر .
2ـ أن يكون بالأسلوب اللائق بهما: جاء الموسوعة على إثر ذكر الإجماع المتقدم :"ولكن لا يتجاوز مرتبتي التعرف والتعريف" وقال ابن مفلح في الآداب الشرعية والمنح المرعية :"قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ يُوسُفَ بْنِ مُوسَى: يَأْمُرُ أَبَوَيْهِ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمَا عَنْ الْمُنْكَرِ، وَقَالَ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ: إذَا رَأَى أَبَاهُ عَلَى أَمْرٍ يَكْرَهُهُ يُعَلِّمُهُ بِغَيْرِ عُنْفٍ وَلَا إسَاءَةٍ وَلَا يُغْلِظُ لَهُ فِي الْكَلَامِ وَإِلَّا تَرَكَهُ، وَلَيْسَ الْأَبُ كَالْأَجْنَبِيِّ " ، وقال صاحب نصاب الاحتساب: "السنة في أمر الوالدين بالمعروف أن يأمرهما به مرة فإن قبلا فبها، وإن كرها سكت عنهما، واشتغل بالدعاء والاستغفار لهما، فإنه تعالى يكفيه ما يهمه من أمرهما ".
وبناء على ما ذكر يتبين أن ما قررته وأقدمت عليه بالفعل من مقاطعة أبيك ثلاثة أشهر لا تتحدثين معه أبدا، وما يصدر منك أحيانا نحوه من الغلظة في القول هو من العقوق البين والعياذ بالله.
كما أن ما يأتيك أحيانا من عصبية نحو أمك لا يجوز، ولو كان بقصد الشفقة عليها.
فلا يجوز أن يحملك الغلو في نصرة أمك على عقوق الأب، ولا إلى الإساءة إليها بقصد الإحسان، فإن كل ذلك مذموم. فبادري إلى التوبة من كل ذلك بالندم، والعزم أن لا تعودي إلى مثله.
ونسأل أن يتوب عليك ويصلحك ويصلح بك.
والله أعلم.