الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فالذي فهمناه مما ذكرته هو أن العلاقة بينك وبين هذا الشاب هي علاقة زواج وليست مجرد خطبة. فقد تم عقد النكاح (القران) دون البناء (الدخول)، والظاهر أن تسميته خطيبا هي اصطلاح عرفي عندكم.
فإذا كان الأمر كذلك، فأمر الطلاق بيد الرجل لا المرأة ، لكن للمرأة أن تطلب الطلاق إذا وجد مسوغ شرعي لذلك، ومن المسوغات التي ذكرها أهل العلم أن تكره المرأة نقص دين الرجل، ومنها أن يكون الزوج مقصّرا في حقوق الله تعالى، ومنها إضرار المرأة في دينها أو نفسها.
قال في الكشاف على الإقناع ممزوجين: (وَإِذَا تَرَكَ الزَّوْجُ حَقًّا لِلَّهِ) تَعَالَى (فَالْمَرْأَةُ فِي ذَلِكَ مِثْلُهُ ف) يُسْتَحَبُّ لَهَا أَنْ (تَخْتَلِعَ) مِنْهُ لِتَرْكِهِ حُقُوقَ اللَّهِ تَعَالَى. اهـ.
وقال الحجاوي في الروض: فإذا كرهت خُلق زوجها، أو خَلقه، أو نقص دينه، أو خافت إثما بترك حقه، أبيح الخلع. اهـ.
وما ذكرته السائلة عن زوجها من إدخاله الموسيقى في برامجه، وتساهله في مسائل الاختلاط، واللحية، يعتبر نقصا في الدين.
فإذا كرهت الزوجة هذا النقص في دين بعلها، جاز لها طلب الطلاق، أو الخلع لما تقدم، على أن الأولى إن كانت ترجو منه قبولا للنصح، واستقامة في الدين ألا تتعجل في ذلك، بل تبذل له النصح والوعظ لا سيما إذا كان متعلقا بها؛ فإن حبه لها يرجى معه أن يقبل نصحها.
قال البهوتي في الكشاف، والإقناع ممزوجين بعد تقرير جواز طلب الخلع في الحالات السابق ذكرها: "... (إلَّا أَنْ يَكُونَ) الزَّوْجُ (لَهُ إلَيْهَا مَيْلٌ وَمَحَبَّةٌ، فَيُسْتَحَبُّ صَبْرُهَا، وَعَدَمُ افْتِدَائِهَا) قَالَ أَحْمَدُ: يَنْبَغِي لَهَا أَنْ لَا تَخْتَلِعَ مِنْهُ، وَأَنْ تَصْبِرَ. قَالَ الْقَاضِي: قَوْلُ أَحْمَدَ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تَصْبِرَ: عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِحْبَابِ وَالِاخْتِيَارِ، وَلَمْ يُرِدْ بِهَذَا الْكَرَاهَةَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ نَصَّ عَلَى جَوَازِهِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ. اهـ.
وفي خصوص عمل زوجك، فأصل العمل في إنتاج البرامج الإخبارية والاجتماعية مباح، لكن إدخال الموسيقى عليها حرام، فيجب عليه أن يترك الحرام، أو يبحث عن بديل خال من الحرام تماما؛ وللوقوف على أدلة حرمة الموسيقى تنظر الفتويان: 66001 ، 54316 .
وإذا كان أصل العمل مباحا، فما يقابل المباح من الأجرة مال طيب مباح، وما يقابل إدخال الموسيقى من الأجرة، حرام، يجب إخراجه في مصالح المسلمين العامة. وهذا بناء على القول بجواز تفريق الصفقة في عقود المعاوضة في صورة اختلاط الحلال بالحرام، والإجارة من المعاوضات؛ لأنها بيع للمنافع، وهو المختار فيها.
فقد قال الموفق في الكافي: إذا باع ما يجوز بيعه، وما لا يجوز بيعه صفقة واحدة، كعبد وحر، وخل وخمر، وعبده وعبد غيره، أو دار له ولغيره. ففيه روايتان: إحداهما: تفرق الصفقة، فتجوز فيما يجوز بيعه بقسطه من الثمن، ويبطل فيما لا يجوز؛ لأن كل واحد منهما، له حكم منفرد، فإذا اجتمعا بقيا على حكمهما، كما لو باع شقصاً وسيفاً. اهـ.
وهذه الرواية هي المعتمد من المذهب كما في الإقناع، وصححها الموفق في المقنع والمغني. وتنظر الفتوى رقم: 234253.
فإذا كان غالب ماله مباحا طيبا، فمأكله كذلك، ومشربه كذلك. فالحكم للأكثر، والعبرة بالغالب، لا سيما وأن المال الذي يشتري به طعامه، وشرابه لا يتعين في القدر الضئيل المحرم. وعليه فنرجو ألا يدخل في حديث أبي هريرة المشار إليه في السؤال في رد دعاء آكل الحرام.
وقد بينا في جملة من فتاوانا السابقة جواز معاملة حائز المال المختلط في ماله، الذي بعضه حرام وبعضه حلال، والأولى اجتنابه لمن له غنى عنه، لكنه لا يحرم، وينوي الآخذ منه أنه يأخذ من ماله الحلال لا الحرام؛ وراجعي الفتوى رقم: 114148.
والله أعلم.