الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإنه ليس للزوج الامتناع عن توفير المسكن الملائم المستقل للزوجة عن أهله، مع قدرته على ذلك، ولو لم تشترطه الزوجة؛ لقوله تعالى: أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ.{ الطلاق:6}.
وقد بين أهل العلم حق الزوجة في ذلك.
فقال الكاساني في البدائع: ولو أراد الزوج أن يسكنها مع ضرتها، أو مع أحمائها، كأم الزوج، وأخته، وبنته من غيرها، وأقاربه، فأبت ذلك; عليه أن يسكنها في منزل مفرد; لأنهن ربما يؤذينها، ويضررن بها في المساكنة، وإباؤها دليل الأذى والضرر؛ ولأنه يحتاج إلى أن يجامعها، ويعاشرها في أي وقت يتفق، ولا يمكنه ذلك إذا كان معهما ثالث. اهـ.
وإذا كانت الزوجة قد اشترطت السكن المستقل على الزوج، كان ذلك آكد لإيجاب هذا الحق لها، فقد قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَحَقُّ الشُّرُوطِ أَنْ تُوفُوا بِهِ، مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الفُرُوجَ. متفق عليه.
فعلى الزوج أن يوازن بين حق أمه، وإخوته الأيتام، وبين حق الزوجة؛ لعموم حديث سلمان في البخاري: فأعط كل ذي حق حقه. فلا يضيع حق أحد لحساب آخر، فإن استطاع أن يوفر لزوجه سكنًا مستقلًا، تعيّن عليه ذلك.
ونوصي الزوجة بأن تترفق بزوجها، وتذكره بحقها في السكن المستقل، وبشرطها، وبوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم في النساء خيرًا، فإن استجاب لذلك فالحمد لله، وإن لم يستجب عجزًا، أو عنادًا، فلها الامتناع عن مساكنته حتى يوفر لها السكن المستقل الملائم، كما بيناه في الفتوى رقم: 34811.
فإن تمادى في الرفض، فلتقارن بين مصلحة بقائها معه، ومفسدة تضررها من مساكنة أهله، فإن رأت رجحان مفارقته، فلها مرافعته أمام القضاء الشرعي، وطلب الفسخ بمقتضى حقها في السكن المستقل كما تقدم، وبمقتضى خيار الشرط، حسبما فصلناه في الفتوى رقم: 245755.
والله أعلم.